عطية محمد عطية عقيلان
تمر حياتنا بعدة منعطفات من الصراع والجهد تتغير الأهداف في كل مرحلة، ويغلب عليها الانشغال في دوامة بدءاً من الدراسة وحتى العمل في صراع مستمر لتحقيق النجاح وأفضل عائد مادي ومركز وظيفي أو تجاري، تمضي هذه السنوات سريعاً دون أن ننتبه فإلى تحقيق التوازن المعقول بين بذل الجهد والتمتع بلحظاتها السعيدة، فنسعى صوب أهدافنا وطموحنا لضمان حياة كريمة لنا ولأسرتنا ومن ثم نمني النفس بالراحة بعدها، متناسين أن الحياة والصحة في تناقص ومع التقدم في العمر سنفقد الشغف المحفز لممارسة ما كنا نحبه، وسنفاجأ أننا لم نعش أو نعط اللحظات السعيدة حقها من الفرح والاستمتاع المناسب لها، متناسين العبارة المشهورة «العمر يخلص والشغل ما يخلص»، فتعصف بنا مشاغل وعجلة الحياة دون الانتباه إلى الجوانب المضيئة والخفية فيها، ونغفل عما يحيط من جمال سواء طقس أو أحداث أو علاقات طبيعية مع أصدقاء حقيقين دون مصلحة صرفة أو بحث عن فائدة دوماً فيها. ومن القصص الطريفة التجربة التي قام بها الموسيقي الأمريكي الشهير جوشوا بيل في العزف وهو متخفٍ في محطة مترو العاصمة واشنطن عام 2007م، ورغم مرور آلاف الناس به وهو يعزف مقطوعات معقدة لبيتهوفن إلا أن غالبية من مروا به تجاهلوا ولم ينتبهوا لروعة هذا العزف الذي سيكلفهم الكثير للاستمتاع له في دار أوبرا أو مسرح، لكنهم فوتوا المتعة المجانية ولم يجدوا دقائق معدودة من وقتهم لها، وهذه تحصل لنا جميعاً لا نبالي بكثير من الأشياء الجميلة والممتعة والسعيدة وكثيراً من الأحيان المجانية والطبيعية والعفوية لأننا كالعابرين في محطات المترو مشغولين بمحاولة اللحاق بمواعيدنا المزدحمة ونمني النفس باقتراب الراحة المنشودة، وتغيب عنا جماليات الحياة الواقعية، لأننا نركض وراء مستقبلنا وطموحنا دون الوصول إليه في كثير من الأحيان، ونسقط في طريقنا دون تحقيق السعادة المثالية المؤجلة ونصبح محملين بالهموم والقلق والتوتر والتفكير لضمان ذلك. كذلك قام نجم الكرة البرتغالية كرستيانو رونالدوا بالتخفي كمشرد في مدريد ومعه كرة قدم ليحاول اللعب مع المارة ولم يتجاوب مع «الرجل المشرد» إلا أحد الأطفال بدأ في تبادل الضربات بالكرة مع رونالدو، ليفاجأ به ينزع لحيته المستعارة ويظهر بشخصيته الحقيقية ويوقع للطفل على الكرة، وبمجرد أن ظهر رونالدو بوجهه الحقيقي، ليتجمع الناس حوله.
لذا عزيزي القارئ.. لنبحث عن مواطن الجمال في حياتنا ولا نكترث بالشكل الخارجي الخادع أحياناً ولنستكشف الجوانب الخفية ونستمتع بها دون إرجاء وانتظار الوضع المثالي قبل فقدان الشغف، ولنؤمن أن لكل تجربة أو مرحلة جانبها المضيء والمفيد والمفرح أو على أقل تقدير هي درس مستفاد، وجميعنا ننتقد ولا نرى فائدة كبيرة من التكريم أو التقدير بعد وفاة المبدع لأنه جاءه في غير أوانه المناسب والمفيد له، أيضاً ما نراه في حكايات القطيعة والعقوق للآباء أو الإخوان والأخوات وبرهم في المقابر بعد وفاتهم وعلى منصات التواصل الاجتماعي وطلب الدعاء وذكره بالخير مع الندم والحسرة والأسى على تفويت ذلك في حياتهم، لذا لنستمتع بكل لحظاتنا دون تأجيل مهما بلغت بساطتها ونحيط أنفسنا بود وحب مع عائلتنا وبزملاء وأصدقاء متفائلين إيجابيين داعمين مهما قل عددهم والابتعاد عن كل من يسبب الألم والحزن ويبث التشاؤم في حياتك، وكما قال الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «اعتزل ما يؤذيك وعليك بالخليل الصالح وقلما تجده، وشاور في أمرك الذين يخافون الله»، ولنؤمن أن السعادة والانبساط بوجود «الشغف» يحتاجان عمراً وصحة مناسبين وهما طرب مجاني متاح للجميع.