محمد آل الشيخ
سقط الربيع العربي، وسقطت معه حركات ما يُسمى (الإسلام السياسي)، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، ولا أعتقد أن التيار المتأسلم الذي كان جارفًا يومًا ما هو الآن كما كان قبيل فشله الذريع إبان الربيع العربي، أضف إلى ذلك قناعة أغلبية الشعوب العربية الآن بسلبياته، وأنه فقاعة أحلام وأوهام رغبوية وسقط، ولا أتوقع، ويتوقع معي كثير من المتابعين والمحللين أنه يستطيع معاودة الكرة مرة ثانية، فالفشل كان صميميا، ولم يعد هناك من يكابر على هذا الفشل إلا مغالط أو مؤدلج؛ غير أن هناك بعض الأصوات التي بدأت تتعالى في الآونة الأخيرة والتي استبدلت مقولة (الإسلام هو الحل) إلى عبارة ترفع (حقوق الإنسان أولاً). والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث: وما هي حقوق الإنسان في منطقتنا، وهل هي مهضومة فعلاً؟
هنا يجب الإشارة إلى أن هذا المطلب تحديداً كان يرفعه الغربيون إبان صراعهم مع المنظومة الاشتراكية الشرقية، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، ليعطوا أنفسهم مبررًا لتدخلهم في شؤون دول ذلك المعسكر الداخلية؛ أي أنه كان بمثابة كلمة الحق التي أراد منها مطلقوها ذريعة لتدخلهم، والتي قد تنتهي تبعاتها إلى حروب أهلية لا تبقي ولا تذر،كما هو حاصل الآن في سوريا وليبيا واليمن.
بعض الخليجيين بدؤوا يرفعون في مواجهة حكوماتهم التي صمدت في وجه ذلك الربيع البائس، شعار (حقوق الإنسان)، لكنهم، ولغاية في نفس يعقوب، وضعوا على رأس هذه المطالب الحقوقية حرية التعبير. والسؤال الذي يطرحه السياق: هل حقوق الإنسان تعني (حرية التعبير)، ولا شيء غير هذه الحرية؟.. لا أعتقد أن إنساناً عاقلاً وموضوعياً سيقدم الحق في الحرية، وتحديداً حرية التعبير، على حق الإنسان في الأمن، وحق الإنسان في أن يحظى بخدمات طبية متطورة تحفظ له حياته، وحق الإنسان في أن تتوفر له المعيشة بأسعار ميسرة، والحق في المسكن، والحق في التعليم وتطوير الذات، والحق في العمل وطلب الرزق، وحق الإنسان في العدالة، وبالذات العدالة القضائية، وبعد ذلك يأتي الحق في التعبير؛ والنقطة التي لا يمكن تجاوزها هنا هل إذا تعارضت الحقوق ذات (الأولوية)، مثل الحق في استتباب الأمن والاستقرار، والحفاظ على الصحة، وحق الحفاظ على المعيشة الكريمة، وحقه في توفر التعليم، مع (الحقوق الثانوية)، مثل حق حرية التعبير، فإن العقل والمنطق والموضوعية تقول تتقدم الحقوق ذات الأولوية على الحقوق الثانوية.
الحق في الحرية، يجب ألا يتحول إلى معول هدم لبقية الحقوق الأخرى تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى قدر من الوعي والشعور بالمسؤولية الاجتماعية والنضوج، ومثل هذه المفاهيم المتحضرة ليس بالضرورة أن تكون متوفرة في الشعوب الأقل وعياً ونضوجاً، وهنا بيت القصيد. الوعي والنضوح والإيمان بالتعددية الفكرية، هي أسس لا يمكن تجاوزها، ويجب توفرها أولا قبل المطالبة بحرية التعبير عن الرأي، أضف إلى ذلك أن حريتك تنتهي حين تبدأ حرية الآخر، فهل مثل هذه البنية الفكرية والاخلاقية موجودة لدى شعوبنا؟
كل ما أريد أن أقوله هنا أننا يجب أن لا نقدم في سلم أولوياتا ما يمكن تأجيله، أو تكوينه، مع تلك الحقوق التي لا تقوم حياة المجتمعات إلا بها.
إلى اللقاء