نبكي على الدنيا وما من مَعشَرٍ
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
الإنسان مهما طال به الزمان ومُدّ في عمره، فإن الموت لا ملاذ منه ومهرب، وهذه سنة المولى جلّ جلاله في خلقه، حياة ثم ممات إلى أن يبعث جميع البشر ليوم الحساب، ففي صباح يوم السبت 7 - 8 - 1442هـ انتقل إلى رحمة الله (أبو فهد) الأستاذ الحبيب صالح بن محمد بن عبدالعزيز الرّيس، بعدما استوفى نصيبه من أيام الحياة الدنيا، وبعد طول معاناة من عقابيل المرض، ثم أديت صلاة الميت عليه عصر يوم السبت ودفن في مقبرة الشمال بالرياض، وقد حضر عدد من أقاربه وجيرانه، ومن زملائه في العمل ومُحبيه، معزين أبناءه وأحفاده، داعين المولى له بالرحمة والمغفرة، وكانت إطلالته على الدنيا في عام 1357هـ بالرياض، فعاش بين أحضان والديه وبين إخوته وأخواته ولِداته، في أجواء فرح ومرح كأمثاله في عصر الطفولة، وقد بادر والِداه مُبكرًا بإلحاقه في إحدى الكّتاب عند الشيخ المقرئ محمد بن سنان لتعلم القراءة والكتابة، وحفظ ما تيسر من السّوِر من كتاب الله العزيز الحميد، تهيئةً للدراسة النظامية وتعدد موادها، ليسهل عليه مُسايرة زملائه بها، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية، عمل مع والده محمد بن رّيس في (دكان) للمواد الغذائية في وسط الرياض عام 1375هـ، فلقد كان باراً بوالديه وملازماً لهما ويقوم على خدمتهما رحمه الله، وقد التحق بالمعهد العلمي وتخرج منه، وبعد ذلك عمل في شركة الكهرباء عام 1379هـ، ثم عمل في وزارة العمل عام 1383هـ، ثم بعد ذلك عمل مديراً لصندوق الضمان الاجتماعي بالمجمعة عام 1386هـ، بعد ذلك انتقل إلى وزارة البلديات، وعمل في عدد من الوظائف، وكان أحدها وكيلا لبلدية البطحاء، وبعد ذلك عمل رئيسًا لبلدية الرّس إحدى كبريات مدن القصيم، كما شارك في جمعية الكشافة العربية السعودية التابعة لإدارة التعليم بالرياض كمتطوع في الشؤون المحاسبية ليتشرفوا في خدمة الحجاج القادمين عبر الحدود من شرق المملكة إلى الرياض، وخدمة الحجاج في مكة المكرمة، وأخيرًا انتقل إلى إدارة التعليم بالرياض مديراً للشؤون المالية، وكانت صلتي به أثناء مراجعتي لإدارة التعليم حيث كنتُ مديرًا لمدارس حريملاء المتوسطة والثانوية، مع الإشراف على المرحلة الابتدائية، والمكتبة العامة؛ فأجد منه كل تقدير وإنجاز لمطالبنا المتعلقة بعملنا آنذاك، فهو على جانب من التواضع الجمّ والدّراية والحنكة في إدارة أعماله بكل مرونة، مما جعل النفوس تميل إليه حُبًا وتقديرًا، ومن كانت هذه من صاته استعذب الناس ذكره:
وأحسن أخلاق الفتى وأجلها
تواضعه للناس وهو رفيع
ولنا معه بعض الذكريات الجميلة التي لا تغيب عن الذاكرة، ومع بعض إخوته الكرماء وأبنائه النجباء وما يدور في ثناياها من طرائف أدبية وحكم بالغة تُغذي العقول وتهذب النفوس، وقد خلف ذرية صالحة مؤهلةً تأهيلاً عالياً بنين وبنات نفع الله بهم، وهذا من فضل الله. وفيه قرة العين للوالدين، ولقد أحسن القائل:
خلفت في الدنيا بيانًا خالدًا
وتركت أجيالاً من الأبناء
وغدًا سيذكرك الزمان
ولم يزل للدهر انصاف وحسن جزاء
كما لا ننسى تكريمه لنا في منزله وتبادل الأحاديث الودية معه، وبعد ما عمل أعمالاً مشرفةً أخلد للراحة متقاعدًا عام 1417هـ حميدةً أيامه ولياليه:
فأحيي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
كما لا يُنسى ملازمة عقيلته (أم رائد) طِيلة مرضه الطويل، وهذا الوفاء لا يستغرب على أمثالها، التي فُجعت بغيابه عنها – أجزل الله لها الأجر والمثوبة:
وكل قرينة لا بد يومًا
سيشعبُ إلفها عنها شعُوبُ
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم إخوته وأبناءه وبناته، وعقيلته (أم رائد). وجميع أسرته ومُحبيه الصبر والسلوان.
** **
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء