خالد الدلاك
تجلت عظمة ومكانة وتفرد وتميز أستاذنا الراحل الكبير محمد الوعيل -رحمه الله- في مشواره الصحفي الطويل والكبير كونه قبل أن يكون مسؤولاً صحفيًّا، ويتابع ويراقب ويشطب ويكتب، فقد كان إنسانًا صاحب شخصية عجيبة وغريبة ونادرة؛ ففي ظل الصراعات الداخلية في المؤسسات الصحفية التي لا تظهر للعيان كان هو حمامة سلام ومرسول حب وتوفيق وتوافق، يسعى لتقريب وجهات النظر، وتآلف القلوب بين المتنازعين والمتخاصمين والمتنافرين بكذب أبيض، وقلب أطيب، وضمير حي، ونوايا صادقة، يهدف من خلالها إلى إرضاء الجميع، وأن يسود الصفاء والنقاء بينهم.. وغير هذا فقد كان الأستاذ الكبير أبو نايف محاميًا وخط دفاع أول عن جميع المستضعفين والمخطئين من المحررين؛ فهو يبرر أخطاءهم عند القيادات الأكبر، ويلتمس العذر لهم، ويتجاوز عن زلاتهم عندما كان هو القائد الأعظم. لم أذكر في يوم أنه أنذر موظفًا أو خصم أو فصل صحفيًّا مهما كبر حجم فعلته وشناعة صنيعه؛ لذا فكل أصحاب الهموم والمشاكل يلجؤون إليه في وقت الأزمات فيجدون لديه - بتوفيق الله ثم جهده وحكمته - الانفراج والفرج. وغير هذا فقد كان كاتم أسرار في العمل، وصبورًا، وحليمًا، وذا بأس شديد في مواجهة العواصف مهما كبر شأنها وزادت شدة رياحها؛ لذا يجد كل رؤساء التحرير في شخصه وشخصيته راحة نفسية وطبيعية كونه منفذًا للنجاة من المشاكل، ومنقذًا من الوقوع في الأزمات وتفاديها.
ساعده في ذلك امتلاكه رأيًا سديدًا، وموهبة عظيمة، وحكمة رهيبة، وقدرة عجيبة في امتصاص أي صدمة، وتخفيف آثار معاناتها وتبعاتها.
وثمة آمر آخر، فإن كان هو -رحمه الله- أحد وأميز وأكبر شهود هذا العصر فقد كنت أنا شاهدًا أساسيًّا على عصره وقمة عنفوانه ونضوجه الصحفي؛ إذ كان السند والداعم الأول لي في تجاوز الكثير من المحن أيام رئاستي القسم الرياضي بالجزيرة، فلولا وقفاته ونصحه وإرشاده لما كافحت وصمدت ونجوت!
وغير هذا وذاك فإن القليلين يدركون أن مسيرته المهنية طرّزها وتوّجها بمسيرته الإنسانية الفذة؛ فهو جمعية إنسانية متنقلة، استثمر ماله وصيته ومعارفه وجاهه في خدمة الجميع، فلا يقول لا إذا طلب منه أحد شيئًا مهما كان نوع الطلب وصعوبته وكونه محرجًا؛ إذ لا مانع لديه في أن يكفلك في قرض بنك أو شراء سيارة، أو يتوسط لك في علاج مستشفى، أو بخطاب تزكية لمسؤول، وغيرها من أمور الحياة المتعددة.
وأنا وإن كنت قد فُجعت وصُدمت برحيله ووفاته فأنا لم أفاجأ بها؛ لأنه هكذا هم الطيبون، يرحلون عنا فجأة دون أن يزعجوننا بألم أو أنين، وهكذا هي الأقدار، دائمًا ما تخطف الأخيار، وهكذا هم الأحباء الأنقياء اللطفاء، يعيشون بيننا بصفاء ونقاء، ويودعوننا بهدوء وحياء!
رحمك الله أيها الأستاذ والمربي والأخ والصديق، وأثابك على سيرتك وفعلك الحسن، وأسكنك فسيح جناته، وجعل ما أصابك كفارة وطهورًا إن شاء الله. ولا نقول في الختام إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. نافذ فينا حكمه، قاضٍ فينا أمره، له ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بحساب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.