د. منى بنت علي الحمود
منذ ذلك اليوم السعيد الذي حصلت فيه على درجة الدكتوراه أصبح وكأنه لزامًا على بعضهم أن يناديني بـ»سعادة الدكتورة»!! وهذا ما كنت أنهجه حقيقة في السابق!!.. ولعل بعضهم كان يطلب مني الكف عن مخاطبته بهذا اللقب الذي لا أعلم له سببًا حتى هذه اللحظة، وأظنه كان محقًّا في طلبه هذا.. فأنا لم أشق عن قلبه لأرى حجم السعادة فيه حتى أسمه بها!!
تُفتتح العديد من مخاطباتنا بصاحبة السعادة.... إلخ، وهذا باعتقادي لا يتعدى كونه «بروتوكولاً» في المخاطبات فحسب.. بل يحتفل العالم بأسره في كل عام بيوم السعادة الدولي.. الذي تربعت فيه بلادي الغالية هذا العام 2021م بكل فخر على مركز الصدارة وفقًا لمؤشر السعادة الدولي، لكن السؤال الأهم هنا «من هي هذه السعادة»؟
السعادة رغبة إنسانية، اشتغل فيها ثلة من الفلاسفة.. فمنهم من يرى السعادة وسيلة أخلاقية من مبدأ أن اكتساب الفضيلة والبحث عن السعادة هو ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات، وهذا على حد علمي لا غير.. فليس لدي حقيقة ما يثبت أو ينكر أن غيرنا من الكائنات الحية تمارس طقوسًا للسعادة!! ولا أعرف سوى ابتسامة «الحيوان الكسول» التي اتهم فيها بالسعادة.. فكم من بسمة خبأت في ثناياها جروحًا وآهات، أو حسدًا وضغينة.
السعادة من المفاهيم الكبيرة والمهمة، وبالمقابل هي من المفاهيم أيضًا التي يصعب تحديد ملامحها أو التنبؤ بها ومن أين لها أن تبدأ أو تتبدد، وهل هي ذاتية المصدر أم نستمدها من الآخر والظروف المحيطة؟.. ترتبط السعادة عند البعض بالحياة فتوصف حياة بأنها سعيدة بمواقفها كلها أو بعضها.. بينما يرى غيرهم أن السعادة تكون بمفارقة هذه الحياة حيث تتحقق مفارقة الألم والحزن باعتبار الحياة مصدرًا لها.. والتهيؤ لخوض مضمار آخر من الخلود الأبدي أهذا يستحق السعادة الفعلية؟
وعند السؤال ما هي السعادة؟ نجد أن الأغلبية يعبّرون عن السعادة على أنها مرتبطة باللذة والألم، أي بطبيعة مادية.. سواء كان تحقيق هذه اللذة حسيًّا أو عقليًّا، حاضرًا أو مستقبلاً.. لكن هل يجب حضور التعاسة (الألم) لولادة سعادة (لذة)؟!.. كما أن هذا لا ينكر وجود من يعتبر تحقيق السعادة ذا طبيعة شفافة روحية بعيدة عن المادة والحس.. لعلة هي أن الروح هي الأصل، والباقية بعد الفناء، فيكون الوصول للسعادة بتطهير الروح وتهذيبها وتزكيتها وبلوغ الرضا التام والسكينة، وهنا تتحقق السعادة.
من جانب آخر، يفرض العقل نفسه على فلسفة السعادة.. فيرى البعض أن تحقيق السعادة يكمن وراء مدى خضوع السلوك والإرادة البشرية للعقل بصفة عامة، أو العقل المتصل بالعقل الإلهي.. فالوصول للفضائل والبعد عن الرذائل هي الغاية الأسمى لتحقيق السعادة، فالفاضل عندهم هو السعيد.
وبالنظر إلى السعادة كأيقونة اجتماعية يمثل تبادل المنفعة معنى جوهريًّا للسعادة من خلال بذل الخير والبعد عن الشر، وهذا يضعنا أمام مأزق هو أنه هل لا بد من حضور الشر (التعاسة) لولادة الخير (السعادة)؟! وعلى الصعيد الاجتماعي أيضًا يمكن اعتبار السعادة أداة للضبط الاجتماعي من خلال الامتثال للعقل الجمعي.. بمعنى أن السعادة تتحقق عندما يكون سلوك الإنسان متسقًا مع معايير العقل الجمعي.
وأخيرًا: سوف أقف مليًّا خلف كلمة (إلى) عند كتابة مخاطباتي ورسائلي.. لعلي أعرف كيف يريد من سأخاطبه أن يصل إلى السعادة؟! بل ما مفهومه عنها؟! قبل أن أشرع باتهامه بتهمة «السعادة» على حين غرة.