د. حسن بن فهد الهويمل
عصر مخيف, لم يُدَوِّنْ التاريخُ مثل أحداثه, وتقلباته, ومصائبه, ومصمياته. هذه حقائق, وليست رجماً في الغيب.
تتغير المحسوسات بسبب ما مَرَّ على العالم من نوازل, وأحداث جسام, دون المعنويات, وما تحدَّث المؤرِّخون عن شيء من ذلك عبر التاريخ الإنساني, فيما أعلم.
عَصْرٌ كالريح العاصف العقيم, غَيَّر طبيعة الأرض, ومسيرة الحياة, وسينشأ في أعقابه عالم جديد, بكل ما تعنيه الجدة من معنى, إنه عالم غريب, وإنسانه أشد غرابة في: مشاعره, وتصوراته, ومواقفه من كل الأشياء من حوله.
وستأتي أجيال مواكبة لهذه المتغيِّرات, متشرِّبة لها, متماهية معها, قد لا تتصور ماضيها بالقدر الذي يتصوره جيلنا السبعيني, بل ربما تنكر هذه الأجيال ما كنا عليه في الماضي القريب, وتستبعد كينونته المدونة في الموسوعات التاريخية: السياسية, والحضارية.
جيلنا يمسك بعصم الماضي, ويعرف تحولاته, ويمشي مع جيل النفط, والوباء, والتقنية الحديثة, ومواقع التواصل, والإعلام الموجه على حذر, وبغربة, قد تصل إلى حد غربة المتنبي في (شِعْبِ بوان).
المسألة دبِّرت بليل, ولم تكن اعتباطاً, وأصبح الناس يسيرون على حركات متقنة الصنع. (خرائط طريق) تولاها دهاة العالم في: العلم, والعقل, والسياسة. يتعاقبون على عوالمنا, ويتبادلون المواقع,والمهمات, إنها حلبة الصراع التي يختلف على خشبتها المصارعون, إنه صراع أزلي بين حق أبلج, وباطل يتلجلج.
لقد جندت دول البغي, والظلم, والتسلّط أساطين الفكر السياسي, لتغيير التركيبة البشرية على أديم الكوكب الأرضي, ولكيلا يُسْبقوا إلى الفضاء, سبقوا إليه, وألقوا بمعداتهم التي تزوِّده م بمتغيِّرات الفضاء, وتحولاته.
سباق المرتابين حَتَّى من أنفسهم في (الشرق الملحد), و(الغرب المادي) يلتقون على أنسنة الكون, والتخلي عن عالم الغيب على حد:- (لا إله, والكون مادة).
ربط الإنسان في بعده المادي, لإسقاط آدميته الثنائية: الروح, والجسد, وربطه ببطنه, وشهواته, وغرائزه, وشبهاته, ومتى تلبس بتلك الرغبات سهل انقياده, واستفحل ضلاله.
إنه مسخ متعمد, وجاهلية مُتَعَصْرنة تتكشف عن سوءات الإنسان المجرد من آدميته التي استهلت حياتها بـ(الحمد لله) لحظة نفخ الروح في أبي البشرية, في (الحمد) اعتراف بالقدرة المطلقة, وشكر للخلق الأجمل: حِسًّا, ومعنى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}.
يقال - والله أعلم بصحة ما يقال -: إن الإنسان المسيطر على العالم يجتاحه الخوف, والهلع من عجز الكوكب الأرضي عن استيعاب الانفجار السكاني, ولم يكن على ثقة بالدحو, وإخراج الماء, والمرعى الكافيين لكل الأمم على أديم كوكبنا الأرضي.
مليارات الأجرام السماوية كتل رملية, أو صخرية, أو خلق آخر, لا تصلح للسكن الإنساني, وكوكبنا مزوَّد بكل مقومات الحياة.
ليس ببعيد في زمن التوحش البشري, التفكير باختصار سكان الأرض إلى العُشْر. وكيف لا يكون التوحش, و(الحرب) الدموية مفردة من مفردات السياسة, و(الإلحاد) من مفردات المجتمع الإنساني, و(الخلاعة), و(المجون), و(التبرج) من قيمه الأخلاقية.
لقد اقترف إنسان العصر مجازر إنسانية, تعد بمئات الملايين, والذي قُتِل في الجهاد الإسلامي على مدى ألف وأربعمائة سنة, لم يبلغ عشر ما قتل في الحربين العالميتين, وما تخللها من حروب بينية غير معلنة.
أضف إلى ذلك الحل الأرعن (الفوضى الهدَّامة) التي سُمِّيت بالخلاَّقة, وما زامن ذلك من حروب الانقلابات العسكرية, والربيع العربي, ومقاومة الاستعمار التقليدي استعمار الثكنات, والمناديب.
إنها فواجع جلبتها وحشية السياسة, والاستعمار الحديث بكل هذه المقترفات المحكمة الصنع, لم يكن أحدنا كما خلق الله, ولا الزمان كالزمان الذي عشناه بحلوه, ومره: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}.
السؤال المخيف:
- ماذا سيكون وضع العالم في قادم أيامه..؟
- وماذا أعدت دول العالم من عِدَّة..؟
إشكالية لم تبن معالمها. المطمئن أن الله وحده المدبر لهذا الكون: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}.