محمد آل الشيخ
مجلس التعاون الخليجي هو أفضل مشروع تعاوني بين الدول العربية على الإطلاق.
نجاح هذا المشروع كان له مبررات موضوعية، ولم يكن فقط نتيجة لحسن النوايا بين زعماء دوله الست.
وفي رأيي إن التجانس بين الشعوب، وكذلك التجانس بين الزعماء، كان السبب الرئيس الأول الذي أدى بهذا المجلس إلى أن يحقق قدرًا كبيرًا من الإنجازات، رغم أن ثمة معوقات هنا وهناك، وتباينات في وجهات النظر، غير أنها لم تستطع القضاء على هذا المجلس بالكامل. والعالم اليوم يمر بعصر التكتلات بين الدول ذات العوامل المشتركة، سواء كانت هذه العوامل جغرافية، مثل الاتحاد الأوروبي، أو مصلحية مثل تكتل بعض الدول الشرق آسيوية ذات الأنظمة السياسية المتشابهة في مواجهة الصين التي تتضخم مكانتها الاقتصادية بشكل متسارع.
وأعتقد أن التفريط بتجربة مجلس التعاون الخليجي تفريط بأهم فرصة مرت على البلاد العربية، ومن شأنها أن تعود على شعوب تلك الدول، وبالذات الصغيرة منها، بمكاسب كبيرة.
صحيح أن ثمة مشاكل وعقبات تعترض مسيرة المجلس، تعقدت وتشابكت في أزمان معينة حتى كادت أن تعصف به، إلا أن هذه المشاكل يجب ألا تصيبنا بالتراخي؛ فالواجب بحث هذه المشاكل والعقبات لتذليلها.
وليس لدي أدنى شك أن الأغلبية الكاسحة من شعوب المجلس تدعم بقوة مسيرة المجلس، ولو أن استفتاءً أُجري بين تلك الشعوب لكانت النتيجة أن نسبة كبيرة من هذه الشعوب ستقول (نعم) لأي تقارب، وفتح الحدود بالشكل الذي يجعل المواطن الخليجي ينطلق من الكويت في الشمال حتى عُمان في الجنوب دون أن يتوقف عند حدود أو نقاط جمركية كما هو الأمر بين دول الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا لا يعني أن نذهب بعيدًا في الدفع نحو إلغاء الحدود دون أن نسلط الضوء على هذه الأسباب التي أعاقت تحقيق هذه الغاية.
أهم هذه العوائق - بمنتهى الصراحة - أن هناك فئات بين شعوب دول المجلس ما زالوا يؤمنون بأن الانتماء العقدي يأتي قبل الانتماء الوطني؛ وبالتالي فإن (المتطرفين) من هذه الفئات على استعداد لخدمة الطائفة حتى وإن كان ثمن هذه الخدمة التضحية بمصالح الوطن، وهز أمنه واستقراره. أي إن المشكلة - بمنتهى الوضوح - هي النزعة العدائية التوسعية لنظام الملالي في إيران.
وهذا - في تقديري - أهم العوائق التي تعترض مسيرة المجلس، وتجعل حكومات دول المجلس تتحفظ على تذليل هذه العوائق؛ لأن الحفاظ على الأمن قضية تتقدم على أي قضية أخرى. وإيران لا تُخفي طمعها في الضفة الشرقية من الخليج، وتصرح بها، وتعمل على تحقيقها. ومن هنا يمكن القول بعلمية إن الأطماع الإيرانية في الخليج هي بمنزلة الكابح الذي حد من الذهاب أكثر في مسيرة مجلس التعاون.
خلاصة القول: إن تحقيق قدر أكبر من التعاون بين دول المجلس يتوقف على بقاء أو زوال الغول الفارسي وأطماعه في دولنا، فإن بقي فلا أعتقد أن بالإمكان تحقيق مزيد من التقارب.
وإن زال، أو على الأقل انتقل من الثورة إلى الدولة، فالاحتمالات مفتوحة على مستقبل جميل وواعد.
إلى اللقاء.