خالد بن حمد المالك
يقول الرئيس اللبناني ميشيل عون إنه ليس من حق رئيس الحكومة المكَلَّف سعد الحريري أن يختار المسيحيين في حكومته، وبالمفهوم (العوني) نفسه - وإن لم يقله - فليس من حق الحريري أيضاً أن يختار الشيعة والدروز وحتى السنة وغيرهم من الطوائف، أي أن رئيس الحكومة المكَلَّف لتشكيل الحكومة لا علاقة له باختيار أسماء أعضاء حكومته، وأنَّ دوره يقتصر فقط في رئاسته لاجتماعات مجلس الوزراء.
* *
ويقول الرئيس عون أيضًا إن رئيس الحكومة المكَلَّف يريد إحراجه بعدم قبوله للأسماء المسيحية التي رشحها، لكنه - على حد زعمه - لن يرضخ، وكأنه ما زال رئيس التيار الوطني الحر، وليس رئيس كل اللبنانيين، ما يعني أنه ما زال يتعامل بعقلية الحزب لا بمفهوم الدولة، وهناك فرقٌ بين أن يكون رئيساً للبنان وبين أن يكون رئيسًا للتيار الوطني الحر، مما يجعل من تشكيل الحكومة اللبنانية حالةً مستعصية، في ظل تمسك عون بالثلث المُعَطِّل، وإصراره على أن تكون له حصة في اختيار أسماء الوزراء.
* *
والرئيس اللبناني يستند في تصلبه في هذا الموقف المدمر للبنان من تحالفه مع حزب الله الذي بدونه قد لا يكون بمقدوره إكمال ولايته في رئاسة لبنان، وهذا ما دعاه لعدم مراعاة مصلحة اللبنانيين ولبنان، أو التفكير بأن لبنان يتجه الآن نحو الجحيم، كما وصفه شخصياً بذلك عندما سئل إلى أين يتجه لبنان في ظل هذا الوضع المأساوي الذي يمر به منذ انتخابه - في عملية قيصرية - رئيسًا للبنان، بعد أن خلا كرسي الرئاسة وقصر بعبدا لشهور عدة بلا رئيس، إثر انتهاء ولاية الرئيس السابق.
* *
رئيس الحكومة المكَلَّف تلقى طلبًا من الرئيس اللبناني بأن عليه أن يعتذر عن عدم قدرته في تشكيل الحكومة حتى يتم البحث عن بديل يطاوع الرئيس وحزب الله والتيار الوطني الحر مثلما حدث عند انتخاب رئيس الحكومة المنتهية ولايته حسان دياب، لكن الرئيس الحريري تجاهل طلب الرئيس عون، وما زال صامداً، ويرفض تشكيل الحكومة بعقلية عون، وتدخلات صهره جبران باسيل. والمتضرر من ذلك هو الشعب اللبناني الذي يعاني من البطالة والفقر والجوع وانهيار الليرة اللبنانية، وما إلى ذلك من انقطاع الكهرباء وتداعيات تفجير مرفأ بيروت وغيرها.
* *
على أن المبادرة الفرنسية المشروطة بتشكيل الحكومة وفق الآليات التي حددتها، وبينها أن تكون من اختصاصيين غير حزبيين، لم تنجح بسبب إصرار بعض الحزبيين - وخاصة حزب الله والتيار الوطني الحر - على إبقاء الوضع على ما هو عليه خدمةً لمصالحهم الشخصية والحزبية، وإن أظهروا شكليًا استجابتهم للمبادرة الفرنسية، غير أن القبول بها ظاهرياً فقط، مع العمل على تفريغها من محتواها، وتقاذف الاتهام بين من هو معها أو ضدها، بما في ذلك الرئيس عون نفسه وحزبه وحزب الله الموالي لإيران.
* *
ومن يقرأ التطورات التي مرَّ بها لبنان، ويستعرض الأحداث والتراجع المخيف اقتصادياً في هذا البلد المنكوب، ويريد أن يكتب عن الأزمات التي يمر بها لبنان وآثارها على معيشة الناس وأمنهم، بسبب من يعرقلون تمرير الحلول القادرة على إخراج لبنان من أزمته، التزاماً بنظرتهم الضيقة في الانتماءات الطائفية والمذهبية وفق فرز اللبنانيين والتعامل معهم بحسب الأجندة الطائفية، سوف يكتشف دور الرئيس وحزب الله والتيار الوطني الحر في المسؤولة عن هذه المأساة.
* *
على أن الإنصاف يقتضي مني أن أشير إلى أن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي يقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا يتوقف عن الحديث عن تجريم المتسببين بما وصل إليه الحال في لبنان واللبنانيين، ويبدو الراعي موضوعياً في تعاطيه مع الأزمة اللبنانية، لكن صوته بحّ دون أن يلقى استجابة ممن عطلوا مصالح اللبنانيين، وحالوا دون تشكيل الوزارة، وغطوا على جريمة مرفأ بيروت، وكانوا بمواقفهم المشبوهة الطرف المؤثر في انهيار الليرة اللبنانية، وتفشي الجوع والفقر والبطالة بين اللبنانيين.
* *
لقد خسر لبنان دعم دول الخليج وهي الممول الأكبر والداعم الذي لا يجاريها فيه دولة أخرى، بسبب الولاء لإيران، وخلق فجوة في التعامل مع الدول الخليجية، رضوخاً لما يريده حسن نصر الله، غير عابئ بمصلحة لبنان، وغير مهتم بالوضع الصعب الذي يمر به اللبنانيون، متجنباً أخذ أي موقف يقرب لبنان من أشقائه، داعماً لكل ما يبعده عنهم، ويقربه من إيران، ما يعني أن على اللبنانيين ألاَّ يتوقعوا حلولاً سريعة لأوضاعهم، ما بقي حزب الله مؤيداً من الرئيس ميشيل عون في هذه السياسة المدمرة للبنان حتى ولو تشكَّلت الحكومة بسعد الحريري أو بغيره، طالما أن من سيتحكم بها عون وباسيل وحسن نصر الله.