تعد منطقة نجران من المناطق الضاربة في أعماق التاريخ، حيث مرت عليها حضارات متعددة وضعتها من أهم المدن التي تزخر بالآثار والنقوش التاريخية، ويصل عدد المواقع الأثرية في المنطقة إلى أكثر من 100 موقع أثري.
وتمتد أصول حضارات نجران حسب آخر الاكتشافات الأثرية إلى العصر الحجري القديم الأعلى، حيث عثر الباحثون فيها على آثار حضارة إنسانية تعود إلى أكثر من مليون سنة من الوقت الحاضر، كما عثر الباحثون على أثر بحيرات قديمة جداً تلاشت في العصر الحالي تدل على أن تلك المنطقة الواقعة في أحضان الربع الخالي كان لها أهمية تاريخية ما جعلها نقطة ارتكاز في صراع الممالك العربية القديمة الراغبة في السيطرة على تلك الواحة الخضراء التي يشكل موقعها أهمية اقتصادية بوصفها ممراً رئيسياً لأحد أهم طرق التجارة القديمة.
وساهم موقع نجران الاستراتيجي في أن تكون ممرا لقبائل غرب ووسط الجزيرة العربية، كما تميزت بوجودها بين دول ذات حضارات، الأمر الذي جعلها مركزا مهما عبر طريق التجارة القديم، الذي يتجه إلى شمال شرق الجزيرة العربية، وصولا إلى بلاد ما بين النهرين أو مكة المكرمة والمدينة المنورة والعلا ثم البتراء وبلاد الشام ومصر.
وتتمتع المنطقة بوجود آثار ومواقع هامة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، وكلها تؤكد أن المنطقة كانت ذات موقع تجاري وزراعي مهمين، كما أنها ذات عمق حضاري لافت.
منطقة بئر حما
تعد منطقة آبار حما من أبرز مواقع الرسوم والنقوش الصخرية التي تقع في شمال منطقة نجران، وتشمل الرسوم الآدمية والحيوانية إلى جانب الكتابات بخط البادية المعروف باسم ثمودية والمسند الجنوبي والخط الكوفي، كما تحتوي هذه المنطقة على مواقع كثيرة تعود لمراحل حضارية مختلفة وتمثل ركامات لمقابر وإنشاءات حجرية دائرية، وقد عثر على العديد من النقوش في منطقة البئر ومنها نقوش صخرية متعددة ومتنوعة يمتد تاريخها من الألف السابع قبل الميلاد إلى القرن الخامس الميلادي، ومن خلالها توفرت معلومات مهمة عن حياة الإنسان في تلك الفترة، فعلم أن سكان المنطقة آنذاك قد استأنسوا الكلاب السلوقية واصطادوا الجمال والأبقار والماعز والنعام والخراف مستخدمين أسلحة متنوعة منها الرماح والعصي والأقواس والسهام ذات الرؤوس المزدوجة.
وتمثل الرسوم الصخرية الموجودة في حما أولى محاولات الإنسان نحو الكتابة الأبجدية التي توصل الإنسان في جنوب الجزيرة العربية إلى ابتكارها مع بداية الألف الأول قبل الميلاد وعرفت هذه الأبجدية بالخط المسند الجنوبي، وأدت التجارة إلى انتشار هذا الخط وأصبحت المنطقة الممتدة من آبار حما مسرحا للقوافل التجارية كجزء من الطريق البحري القديم حيث سجل مرتادو هذا الطريق في ذاك الوقت ذكرياتهم ورسومهم وأسماءهم وبعض اهتماماتهم بالخطين السبئي بنسبة كبيرة والخط الثمودي على امتداد الطريق حيث تركزت حول مصبات المياه والكهوف وفي سفوح الجبال عند آبار حما، وفي آبار حما آبار تاريخية قديمة تحتضنها الجبال والكهوف من جميع جهاتها عدا الجهة الشرقية بالإضافة إلى العديد من الآثار والكتابات التاريخية في الكهوف المحيطة وسفوح الجبال.
آثار شعيب دحضة
من الدلائل الأثرية على قدم الاستيطان البشري في منطقة نجران ما عثر عليه في (شعيب دحضة) من الأدوات الحجرية، التي يعتقد أنها ترجع للحضارة الإلدوانية (1.2-1.8) مليون سنة قبل الوقت الحاضر، وهي مرحلة مبكرة من العصر الحجري القديم وتمثلت أدواتها بالقواطع الحجرية الكبيرة الحجم والمكاشط والشفرات والمطارق والأدوات ذات الوجهين البدائية ومن أهم المواقع في العصر الحجري القديم الأوسط تلك التي وجدت في عرق البير في الربع الخالي، وبئر حما، وتركزت حول المرتفعات المطلة على الوديان، وتميزت أدوات هذه المرحلة بالدقة مثل المثاقب والمسننات والمكاشط ذات الاتصال المستعرضة والطرفية.
الأخدود
يعد موقع الأخدود الأثري نموذجاً للمدن المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية وهو الموقع الذي كانت تقام عليه مدينة نجران القديمة التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية باسم (ن ج ر ن) ويعود تاريخ القلعة أو القصبة التي تشكل العنصر الأبرز في الموقع إلى الفترة الممتدة من 500 ق. م إلى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع.
والقلعة أو القصبة عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235م يمثل نظام التحصين الذي كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية يحتوي على نتوءات وتجاويف عشوائية وغير منتظمة بمساحات متفاوتة، ويتميز هذا النظم بأن المباني الواقعة على السور تندمج في السور لتشكل جدرانها الخارجية جزءاً من المحيط الدفاعي الخارجي للسور، على أن هذه المباني في الغالب تكون جدرانها أعرض حيث تصل إلى 150 سم، بينما العرض السائد للمباني الداخلية يتراوح بين 80سم - 110سم.
أما داخل السور فتنتشر مجموعة كبيرة من المباني التي تتفاوت حالاتها من حيث درجة تأثير عوامل التعرية والزمن عليها.
وبنيت الأجزاء السفلية للمباني من كتل حجرية منحوتة على شكل واجهات مستطيلة أو مربعة بأحجام متفاوتة يبلغ طول واجهات بعضها حوالي 350سم، على أن الأجزاء العلوية من هذه المباني على الأرجح كانت مبنية من الطين اللين أو الطوب اللبن وتمثل عدة أدوار، وتحولت حالياً إلى كميات من الرديم حيث يغطي أجزاء كبيرة من جدرانها العديد من المباني والشوارع، ويتمثل أسلوب البناء من خلال صفوف متتالية من الكتل الحجرية التي تتميز بأن كل صف منها تتساوى أحجاره من حيث الارتفاع، وليس بالضرورة أن تتساوى أحجام الصفوف في كل المبنى وإنما لكل صف ارتفاع موحد.
قلعة رعوم الأثرية
في الناحية الغربية من مدينة نجران فتقع قلعة رعوم التي تتوسط جبل أبو همدان وجبل سعدان وترتفع عن سطح الأرض بـ1800 متر وتطل على المزارع والقرى المنتشرة على ضفاف وادي نجران كقرية الحضن والموفجة وزو آل حارث في منظر جمالي بديع ورائع.
وتعد القرى التراثية البالغة 34 قرية تراثية وتحتوي كل قرية على أكثر من 12 منزلاً تراثياً من القصور والقلاع النجرانية أو ما يعرف باسم «الدروب الطينية» بين مزارع النخيل والبساتين على ضفاف وادي نجران مكانًا مفضلاً للسائحين والزائرين للاطلاع على فن البناء القديم والهندسة العمرانية الفريدة في إنشاء البيوت الطينية المنتشرة بالقرى.
قصر العان التاريخي
يعد قصر العان الأثري «سعدان» الذي يقف شامخًا على قمة جبل العان، من أقدم وأشهر القصور الطينية التراثية، والذي تم بناؤه عام 1100 هـ، من الطين بنظام العروق، وسمي بهذا الاسم نسبة للقرية التي يقع فيها، ويتكون القصر من 4 أدوار على طراز بناء مميز يعكس هوية وطابع المجتمع النجراني، بسور ارتفاعه 7 أمتار تقريباً، ويضم القصر أبراجًا للمراقبة وبوابة رئيسية وعدد من الغرف، ويطل على وادي نجران الشهير من الجهة الشمالية، ويقابله جنوبًا قلعة رعوم التاريخية وجبل أبو همدان، وعدد من القرى ومزارع النخيل التي شكلت بجانب العمران الحديث لوحة فنية بالغة الجمال والخصوصية لقصر العان الأثري.
وقصر العان التاريخي يتميز بروعة البناء القديم، ورونق الأصالة، وفن العمارة التراثية التي تحاكي الطراز العمراني الذي تشتهر به منطقة نجران، ويحظى بالاهتمام والعناية، كونه أحد أبرز الوجهات السياحية في المنطقة، مشيراً إلى أن القصر مر بعدة أعمال ترميم منذ تأسيسه من قبل مُلاكه كبادرة وطنية ذاتية نابعة من وعيهم بأهمية الإرث التاريخي الوطني وأهمية المحافظة عليه بوصفه هوية وتاريخ.
قصر الإمارة التاريخي
ويعتبر قصر الإمارة التاريخي المقر الثالث للدولة السعودية بعد قصري البديع والحكومة. وقد بدئ في تشييده عام 1361هـ بطلب من أمير نجران آنذاك تركي بن محمد الماضي رفعه إلى نائب جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الأمير سعود بن عبدالعزيز.
والقصر عبارة عن حصن متكامل يضم مكتب الأمير والمحكمة والاتصالات وسكن عائلة الأمير ومكاتب إدارية وسكن آخر للوكيل ومسجد. ويضم كذلك بئراً تاريخية تعود إلى فترة ما قبل الإسلام. ويحيط بالقصر سور مرتفع تتربع في أركانه أربعة أبراج. وقد تم ترميم القصر مرتين خلال عامي 1406هـ و1423هـ.