إعداد - خالد حامد:
سوف يتجاوز اقتصاد الصين اقتصاد الولايات المتحدة بعد نحو 15 عامًا، ويصبح الأكبر في العالم. ومع اقتراب هذه اللحظة، تشكل إجماع في الولايات المتحدة على أن الصين تشكل تهديدًا كبيرًا لمصالح الولايات المتحدة ورفاهيتها.
وقد صرح كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إن «أحد الأشياء التي نحاول القيام بها هو أن ننظر إلى التهديد الصيني على أنه ليس مجرد تهديد للحكومة بأكملها، بل تهديد للمجتمع بأسره... وأعتقد أن هذا الأمر سيتطلب ردًا من المجتمع بأسره»
هذه الفكرة منتشرة على نطاق واسع في الولايات المتحدة لدرجة أنه عندما شن الرئيس دونالد ترامب حربه التجارية ضد الصين في يناير 2018، كان مدعومًا حتى من قبل شخصيات معتدلة مثل السناتور الديمقراطي تشاك شومر.
هناك تياران رئيسان يقودان هذه المخاوف في الولايات المتحدة: الأول تيار اقتصادي ويزعم أن الصين قوضت الاقتصاد الأمريكي من خلال اتباع ممارسات تجارية غير عادلة عن طريق نقل التكنولوجيا الأمريكية، وسرقة الملكية الفكرية، وفرض حواجز جمركية تعيق الوصول إلى الأسواق الصينية. والآخر سياسي يقول إن التطور الاقتصادي الصيني الناجح لم يرافقه إصلاح ديمقراطي ليبرالي كما توقعته الحكومات الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة. وأن الصين أصبحت عدوانية للغاية في تعاملها مع الدول الأخرى.
عند قراءة التهديد الوشيك الذي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الصين تشكله، ليس من الصعب معرفة سبب توصل غراهام أليسون، في كتابه التوجه نحو الحرب أو «Destined for War»، إلى النتيجة المحبطة التي مفادها أن احتمال نشوب نزاع مسلح بين الدولتين هو أكثر احتمالاً.
ومع ذلك، نظرًا لأن الصين لا تجهز قوة عسكرية بهدف تهديد الولايات المتحدة أو غزوها، ولا تحاول التدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، ولا تقود حملة متعمدة لتدمير الاقتصاد الأمريكي، يجب علينا أن نفكر مليا في هذا الأمر. على الرغم من الصخب الدائر حول الصين بأنها تشكل تهديدًا للولايات المتحدة، لا يزال من الممكن لواشنطن أن تجد طريقة للتعامل السلمي مع الصين التي ستصبح القوة الاقتصادية الأولى في غضون عقد من الزمن.
يتعين على الولايات المتحدة أولاً أن تعيد النظر في الاعتقاد الراسخ بشأن النظام السياسي الصيني. فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، كان صناع السياسة الأمريكيون مقتنعين بأن الأمر سيكون مجرد مسألة وقت قبل أن يتبع الحزب الشيوعي الصيني الحزب الشيوعي السوفيتي ليكون في طي النسيان. تقبل السياسيون وصانعو السياسة الأمريكية من اليسار واليمين، ضمنيًا أو بشكل صريح أطروحة المفكر فرانسيس فوكوياما الذي كتب قائلا: «ما حدث لم يكن مجرد نهاية الحرب الباردة، أو فترة من تاريخ ما بعد الحرب، بل نهاية التاريخ، للتطور الأيديولوجي للبشرية، وعالمية الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للبشرية».
لم تجمع أي إمبراطورية أخرى نفس القدر من القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية مثل الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد مر أقل من 250 عامًا منذ توقيع إعلان الاستقلال في عام 1776، لكن الصين أقدم بكثير من هذا التاريخ، وقد تعلم الشعب الصيني على مدى عدة آلاف من السنين أنهم يعانون أكثر من غيرهم عندما تكون الحكومة المركزية ضعيفة ومنقسمة، كما حدث لما يقرب من قرن من الزمان بعد حرب الأفيون عام 1842، عندما اجتاحت الصين الغزوات الأجنبية والحروب الأهلية والمجاعات. منذ عام 1978 انتشلت الصين 800 مليون شخص من براثن الفقر وخلقت أكبر طبقة وسطى في العالم.
تجنب الصينيون الحروب غير الضرورية، على عكس الولايات المتحدة، التي تنعم بجيران غير مهددين في كندا والمكسيك، ولكن تعاني الصين من علاقات صعبة مع جيران قوميين أقوياء، بما في ذلك الهند واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام. اللافت للنظر، من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الصين، وفرنسا، وروسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة)، أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لم تطلق رصاصة عسكرية واحدة عبر حدودها خلال 30 عامًا. حتى أثناء إدارة أوباما السلمية نسبيًا، ألقى الجيش الأمريكي 26000 قنبلة على سبع دول. يفهم الصينيون فن ضبط النفس الاستراتيجي بشكل أفضل.
يلاحظ جورج ماغنوس في كتابه «الرايات الحمراء» Red Flags أن «الولايات المتحدة لديها حجة قوية» ضد الصين في «الادعاء بأن الصين تواصل سياسات تمييزية تحابي الشركات المحلية وتعاقب الشركات الأجنبية»؛ وأوصى بأن تدخل الولايات المتحدة مع الصين في حوار لتشجيع الصين على الوصول إلى الأسواق في القطاعات التجارية المنتجة للخدمات غير الحساسة سياسياً من خلال طرق الحوار الاقتصادي الشامل بين الولايات المتحدة والصين.
هناك تصور متزايد في الصين وخارجها بأن الهدف الحقيقي لإدارة ترامب لم يكن فقط بهدف القضاء على هذه الممارسات التجارية الصينية غير العادلة ولكن تقويض أو إحباط خطة الصين طويلة الأجل لتصبح رائدة تكنولوجيا. على الرغم من أن الولايات المتحدة، كما أشار مارتن فيلدشتاين، لها الحق في تنفيذ سياسات لمنع سرقة التكنولوجيا الخاصة بها، إلا أنه لا ينبغي الخلط بين ذلك وبين جهودها لإحباط خطة الصين الصناعية طويلة الأجل التي تقودها الدولة وهي «صنع في الصين 2025» التي صُممت لجعل الصين منافسًا عالميًا في التصنيع المتقدم، مع التركيز على صناعات مثل السيارات الكهربائية والروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
يتفق فيلدشتاين وماغنوس على أنه للحفاظ على التفوق في صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل الفضاء والروبوتات، يجب على حكومة الولايات المتحدة، بدلاً من سياسة الرسوم الجمركية، الاستثمار في التعليم العالي والبحث والتطوير حيث تحتاج أمريكا إلى تطوير إستراتيجيتها الاقتصادية طويلة الأجل لكي تتطابق مع الصين.
لوضع استراتيجية طويلة الأجل، تحتاج الولايات المتحدة إلى حل التناقض الجوهري في افتراضاتها الاقتصادية حيث يعتقد معظم الاقتصاديين الأمريكيين أن السياسات الصناعية التي تقودها الحكومة لا تعمل، ويطالبون بدلاً من ذلك برأسمالية السوق الحرة. إذا كان اعتقادهم صحيحًا، فلا ينبغي أن تعارض واشنطن خطة الصين لعام 2025 التي تقودها الحكومة لتحديث قدراتها التكنولوجية، ولكن يجب أن تتراجع وتسمح لهذه المبادرة الصناعية الصينية بالفشل، كما فعلت الخطط الاقتصادية للاتحاد السوفيتي.
وعلى أمريكا أن تعيد النظر في افتراضاتها الأيديولوجية، وأن تصوغ، مثل الصين، استراتيجية اقتصادية شاملة طويلة الأجل. حتى ألمانيا، القوة الصناعية الرائدة في العالم، لديها استراتيجية تسمى الصناعة 4.0. لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة صياغة خطة مطابقة؟
قد تكون أفضل دولة يمكن للولايات المتحدة أن تعمل معها في صياغة مثل هذه الاستراتيجية الاقتصادية هي الصين، التي تحرص على نشر احتياطياتها البالغة 3 تريليونات دولار لزيادة الاستثمار في الولايات المتحدة. يجب على الولايات المتحدة أيضًا التفكير في المشاركة في مبادرة الحزام والطريق. سترحب الدول المشاركة حاليًا بالولايات المتحدة، لأن ذلك من شأنه أن يساعد في تحقيق التوازن بين نفوذ الصين. هناك العديد من الفرص الاقتصادية التي يمكن للولايات المتحدة الاستفادة منها. مثلما استفادت شركتا بوينج وجنرال إلكتريك، كبرى الشركات الأمريكية، من التوسع السريع لسوق الطيران الصيني، يمكن لشركات مثل كاتربلر وبكتل الاستفادة من مشاريع البناء الضخمة لمبادرة الحزام والطريق. لسوء الحظ، فإن النفور الأيديولوجي للولايات المتحدة من المبادرات الاقتصادية التي تقودها الدولة سوف يمنع التعاون الاقتصادي طويل الأمد مع الصين.
لقد تعلمت الصين درسًا كبيرًا من انهيار الاتحاد السوفيتي وهو أن يأتي النمو الاقتصادي قبل الإنفاق العسكري. سوف يخدم مصالح الصين طويلة الأجل قيام الولايات المتحدة بحرق الأموال على النفقات العسكرية غير الضرورية.
إذا غيرت أمريكا تفكيرها، سوف تكتشف أنه من الممكن تطوير استراتيجية تقيد الصين وتعزز المصالح الأمريكية. لقد قدم بيل كلينتون الحكمة في هذا الأمر في جامعة ييل في عام 2003، عندما قال إن الطريقة الوحيدة لإدارة القوة العظمى القادمة، ويقصد الصين، ستكون بإنشاء قواعد وشراكات متعددة الأطراف من شأنها تقييدها.
لحسن الحظ، في ظل حكم شي جين بينغ، لا تزال الصين تؤيد تعزيز الهيكل العالمي متعدد الأطراف الذي أنشأته الولايات المتحدة، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. كما أسهمت الصين بقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أكثر من الأعضاء الأربعة الآخرين الدائمين في مجلس الأمن الدولي مجتمعين.
** **
كيشور مهبوباني هو بروفيسور سنغافوري وعميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية. كما شغل منصب وزير خارجية سنغافورة وممثل سنغافورة الدائم في الأمم المتحدة - عن مجلة (لموند ديبلوماتيك) الفرنسية