خالد بن حمد المالك
تحاول كندا أن تظهر أمام العالم على أنها الملجأ الوحيد والمكان الآمن للدفاع عن حقوق الإنسان، وأنها على استعداد لأن توتِّر علاقاتها ومصالحها مع أيٍّ من الدول للتأكيد على سياستها في مناصرة حقوق الإنسان، والدفاع عن المظلومين على امتداد دول العالم، وقد رأينا كثيراً من المواقف الكندية التي تظهر تصميم كندا على الالتزام بهذا النهج والتمسك به والدفاع عنه، تحت غطاء إنساني -لو صح- فإن أحداً لن يعارض كندا عليه.
* *
لكن عندما ينكشف المستور، وتظهر الحقائق كما هي دون تزييف، ويتأكد للمتابع أن الوجه الإنساني الآخر لكندا وسياساتها في هذا الشأن ليس هو المعلن أو المصرَّح به، حتى وإن حاولت الدولة الكندية تجميل صورتها بافتعال بعض المواقف، والظهور بمظهر الدولة الحضارية والإنسانية والمناصرة لحرية الإنسان وتمتعه بكامل حقوقه، لأن حبل الكذاب جد قصير، وستأتي حالات ومواقف تكشف عوار هذه السياسة وعدم صدقها، وأن القيم والُمثل والمواقف الإنسانية لا تأتي بالكلام، ولا تتحقق بالتسويق الجميل لها إعلامياً، ما لم تكن قائمة على أسس صحيحة.
* *
مناسبة هذا الكلام ما عرضته القناة الفضائية الأمريكية الشهيرة (فوكس نيوز) الأسبوع الماضي عن تعامل السلطات الكندية مع مواطنيها العائدين إلى بلادهم، وإلزامها لهم بأن يقضوا فترة الحجر الصحي في أماكن بائسة، وصفها مقدم البرنامج (تلر كارلسون) بأنها أشبه ما تكون بـ»معسكرات الاعتقال»، لافتقارها لأبسط مقومات الحياة، ووثَّق كلامه عن انتهاك أساسيات حقوق الإنسان بتصريح لإحدى عضوات البرلمان الكندي، حيث قالت في وصفها أماكن الحجر بأنها لا تتناسب مع القيم الإنسانية، وأنها لا تتقيد بالاشتراطات الصحية المطلوبة في إعداد وانتظام تقديم وجبات الطعام، فضلاً عن عدم اختيار الطعام المناسب لنظام الحمية الصحية للمواطنين الذين تستدعي حالتهم ذلك.
* *
يشير البرنامج، ونحن ننقل عنه -وناقل الكفر ليس بكافر-، إلى أن عدم وجود الطعام كان سببًا في مضاعفة معاناة أحد مرضى السكر المحتجزين، واسمه تروز ديل، والذي كان يحتاج إلى الطعام عند انخفاض مستوى السكر لديه، لكن محتجزيه نسوا تقديم وجبة الطعام له لفترة 24 ساعة، مما اضطره إلى البحث عن طعام في مكان آخر في حجره ليكتشف وجود آخرين دون طعام، وقد كانوا يصرخون من الجوع حسب قوله، فكان أن تسبب ذلك في مضاعفة حالته الصحية، وبقائه بالحجز لفترة أطول بسبب ضياع وتلف عينة فحص كورونا الخاصة به.
* *
وامتداداً لهذه المعاملة غير الكريمة، والتي تتعارض مع حقوق الإنسان، فقد تم نقل المواطنين الكنديين لأماكن الحجر الصحي -حسب تصريح كارلسون- دون موافقتهم، ودون اطلاعهم على أماكن الحجر التي تم إنزالهم بها، لدرجة أن أحد المواطنين واسمه ميت بولو -كما جاء في البرنامج-، اعتقد أن ما يحدث هو لأحد برامج الكاميرا الخفية، بسبب سوء المعاملة، وافتقاد المكان لأبسط مقومات التعامل الإنساني، ليكتشف لاحقًا أن الأمر حقيقة، وأنه عندما وصل في نهاية المطاف إلى مكان الحجر الصحي كانت محطة الوصول سجناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأن عليه أن يقضي الحجر الصحي في هذا المكان البائس، وكل من يتجاوز تطبيق ذلك، أو يحاول التهرب، عليه أن يدفع غرامة مالية قدرها مليون دولار، مع قضاء ثلاث سنوات في السجن.
* *
وهناك حالة أخرى وهي حالة متشى يولدو، وهو رجل أعمال كندي قدم إلى مدينة كالجاري الكندية بعد رحلة عمل إلى ولاية فلوريدا الأمريكية، يصف ما تعرض له لإحدى قنوات التلفزة الكندية بأنه يشبه الاختطاف، وفي التفاصيل يشير إلى أنه وُضع داخل سيارة سوداء مظللة النوافذ، وأُخذ إلى وجهة غير معلومة، وعن السبب وراء اختطافه على هذا النحو، أخبروه بأنه سيعرف كل شيء لدى وصوله.
* *
تأتي هذه الممارسات ضد حقوق الإنسان في كندا بحكومتها الليبرالية، منسجمة مع ما أعلنه -مؤخراً- رئيس وزراء كندا جستن ترودو عن خطته الجديدة لمكافحة جائحة كورونا، واعترافه بأن ما يجري في كندا إثر هذه الجائحة يمثِّل سانحة مهمة لإحداث تغيير جذري في الحضارة الغربية باستلهام نظام اقتصادي جديد يعين على مواجهة الفقر وعدم المساواة والتغير المناخي. وقد حاولت وكالة الأنباء الكندية C.B.C تحذير الكنديين من تصديق الروايات عن مراكز الحجر الصحي، لكن أي مسؤول كندي لم يستطع إقناع الناس بما يتم تداوله على نطاق واسع في كندا عن هذا الوضع البائس.
* *
نخلص من هذا التقرير وعن هذا التصرف الكندي المبكي ضد مواطنيها، إلى التأكيد على أن هناك ازدواجية المعايير في السياسة الكندية، وأن ما خفي ربما يكون أخطر في تعامل كندا مع حقوق الإنسان، وبمقارنته مع ما تم في بلادنا من اهتمام بالمصابين بكورونا من السعوديين والمقيمين يظهر الفرق بين المملكة وكندا في مسألة الاهتمام بحقوق الإنسان، كما هو في الواقع، لا كما تريد كندا ودول أخرى في توظيف تسويق الاهتمام بحقوق الإنسان المزيفة، بما يلبي مصالحها وأجندتها وسياساتها في التعامل مع الدول الأخرى.