بدر أبو نجم
تزدادُ التحذيرات بين حينٍ وآخر من نشوبِ حروبٍ عسكريةٍ بين دول جنوب شرق آسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، جراء الخلافات على الحدود البحرية، والسيادة على منطقة بحر الصين الجنوبي، الذي يحتوي على مقدرات فائقة، من الغاز الطبيعي والثروة السمكية، أو باعتباره أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، وأكثر الخطوط الملاحية ازدحاماً بحركة السفن في العالم.
تلك الامتيازات جعلت من بحر الصين الجنوبي محط أنظار الصين منذ القدم، وعملت على بسط نفوذها على ثمانين في المئة من مساحته، كحدود إقليمية لها، ولم تعترف بما نصت عليه اتفاقية البحار عام 1982.
أعلنت الصين عن أن حدودها البحرية تمتد لـ300 كيلومتر. وهو ما يخالف القوانين الدولية التي منحت فيه لكل دولة ما نسبته 200 كيلومتر كحدود بحرية لها.
لجأت دول شرق آسيا إلى محكمة العدل الدولية لكبح جماح الصين على هيمنتها على بحر الصين الجنوبي، وكان من ضمن تلك الدول الأكثر تضرراً الفلبين، التي حظيت بتأييدٍ كبير من قبل المحكمة الدولية بأحقيتها القانونية في حريتها على الحدود البحرية التي تسيطر عليها الصين، وتدعي أنها تقع ضمن حدودها الإقليمية. لكن لا قوة لتطبيق هذه القرارات على أرض الواقع لتستمر الصين في بسط نفوذها على منطقة البحر.
تدعي الصين أن بحر الصين الجنوبي يُعتبر جزءاً من الحياة الثقافية والاجتماعية لها، كما تدعي أن سيطرتها على البحر تعود إلى القدم. ناهيك عن حُجتها الدائمة بأنها ذات نشاط تقليدي دون منازع في منطقة البحر، وهذا ليس مسوغ قانوني لها للسيطرة على البحر.
تخوض بعض دول جنوب شرق آسيا «آسيان» (بروناي دار السلام، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام)، حرباً سياسية وقانونية، وإنشاء التحالفات، لإبراز أحقيتها في مياه البحر الإقليمية، وأنشأت الفلبين تحالفاً مع اليابان بسبب المصالح المشتركة بينهما، ودفعت الأخيرة المساعدات العسكرية للفلبين.
انتهجت دول شرق آسيا الخطوات ذاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبارها القوة المهيمنة في المنطقة، فنسبة مشاركة الولايات المتحدة من البضائع التجارية التي تمر من خلال بحر الصين الجنوبي تقدر بـ2.1 تريليون دولار سنوياً، إضافة إلى أنها الدولة الوحيدة المعنية بحل الخلاف، وضمان بسط نفوذها على البحر، لتبقى القوة العظمى التي تلتزم بالمعاهدات التي وقعتها مع دول شرق آسيا.
لم تكن دول الآسيان في ذات مرة موحدة في مبادئها تجاه مواجهة الصين فيما يخص أحقيتها في البحر، فذهب بعضها إلى التحالف مع الصين بسبب ضعفها العسكري والاقتصادي الذي لا يضاهي عظمة الصين مهما كبرت قوة تلك الدول، وقررت أن تنأى بنفسها بعدم مواجهة الصين، وتعمل على إنشاء تحالف مع الصين لتضمن جزءاً من مصالحها.
بقيت فيتنام في مواجهة حقيقية مع الصين للدفاع عن أحقيتها في مياه البحر والحدود، وقد حصل ذلك فعلاً بمواجهة عسكرية قبل عدة عقود في عرض البحر أدى إلى مقتل العشرات من العساكر الفيتناميين.
في خضم تلك المعطيات اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الصين بـ»عسكرة المنطقة»، رغم وجود السفن الحربية الأمريكية التي تمر بالقرب من الجزر الصناعية الصينية، لإثبات الهيمنة الأمريكية في البحر، لأنه يعتبر نقطة تحد قد يفقدها هيبتها فيما لو استمرت الصين بالتوسع في سيطرتها على منطقة البحر.
لا تملك الولايات المتحدة إلا خيارين، إما الدفاع عن شركائها الإقليميين، أو فقدان مكانتها الدولية في هذا المكان الحيوي، إذا استمرت الصين في الامتداد بطموحها في البحر.
ومن الطبيعي أن لا تقبل الولايات المتحدة بذلك مهما كلف الأمر، ما يجعل الصراع في بحر الصين الجنوبي ينذر بنشوب حربٍ أو مواجهة عسكرية، أو على أقل تقدير بقاء المنطقة في حالة عدم الاستقرار بين الفينة والأخرى.
ثمة من يستبعد لجوء الصين إلى الحل العسكري مع دول الإقليم لبسط نفوذها على البحر، بسبب انتهاجها الأساليب السياسية مع تلك الدول، ما يقلل من حتمية نشوب حربٍ عسكرية، لكن على المدى البعيد لا نستبعد أن تكون الأداة العسكرية للصين وسيلة لإثبات زيادة نفوذها على البحر، ما قد يخلق مواجهة ليس فقط مع دول الإقليم بل مع الولايات المتحدة، التي سوف تقف في الصفوف الأولى ليس للدفاع عن دول منطقة بحر الصين الجنوبي فقط بحكم كونها الحليف الاستراتيجي الأكبر لدول المنطقة، بل من أجل الحفاظ على مستقبلها ومصالحها الجيوبوليتيكية في البحر.
لم تكن الصين بمنأى عن كل التحالفات التي أنشأتها دول إقليم بحر الصين الجنوبي مع الولايات المتحدة الأمريكية، ففي خضم تلك التحالفات اتخذت الصين سياسة القوة الناعمة من خلال تقديم الحلول لدول الآسيان بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي مع تلك الدول بهدف التغلب على قوة الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة، ودفع دول الإقليم إلى الاعتماد عليها في الاستثمار والاقتصاد.
في مقابل ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى دعم أطراف النزاع وإنشاء التحالفات معها للحفاظ على النظام الدولي الحالي، وضمان قوتها الرادعة للتحركات الصينية في المنطقة.
إن كل السيناريوهات محتملة في منطقة بحر الصين الجنوبي، خصوصاً في ظل قوة الصين الصاعدة والمعطيات التي تشير إلى أنها تمضي قدماً إلى أن تكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
لذلك فإن الولايات المتحدة ستعمل على كبح جماح الصين في منطقة البحر مع أن مراقبين ذهبوا بالقول إلى أن الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة أصبحت تنأى بنفسها عن الحروب التي أنهكتها واقتصادها، واتجهت إلى إصلاح بيتها الداخلي. لكن ذلك الرأي اختلف بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية.
فور تولي جو بايدن الرئاسة الأمركية أجرت البحرية الأمريكية تدريبات في بحر الصين الجنوبي ضمن عملية واسعة النطاق، تهدف من خلالها إلى إبراق رسائل، منها أن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة مصممة على وضع حدٍ للزحف والهيمنة الصينية في بحر الصين الجنوبي ما ينذر بدق ناقوس الخطر من مواجهة عسكرية محتملة بين الصين والولايات المتحدة.