عبد الله بن صالح العقيل
يقول الشاعر:
حُكْم المنيّة في البريّة جَاِري
ما هذه الدّنْيا بِدَار قَرَار
بينا يُرى الإنسان فيها مُخْبرا
حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبِعت على كَدَرٍ وأنت تريدها
صَفْواً من الأقدار والأكدار
من أصعب المواقف على الإنسان وأشدّ قسوة وألماً عليه أن يسمع خبر وفاة أخيه وحبيبه, والذي هو في مقام والده. ومع أن الموت حق على كل الناس إلاّ أنه أشدّ وأصعب الفواجع على النفس. وبعد رحيل أخي الغالي عبدالرحمن يوم الخميس 12-8-1442هـ لم يبق لي إلا الذكريات التي كانت تجمعني معه. دموع صامتة ومحترقة في العيون تحمل لك مشاعر الحزن والفرقة من إخوتك ومحبيك وأصدقائك وهم يوارونك منزلك الأخير.
أخي الغالي: رحلت عنّا وليس لنا بعدك إلاّ عملك الطيّب وسيرتك العطرة ونقاء سريرتك, مع أجمل الذكريات بك وبزوجتك وأولادك. تلقّيت نبأ وفاتك المفجع الذي هَزّ قلبي وأدمى مشاعري فلا أملك لك إلاّ الدعاء.
وُلد أخي عبدالرحمن في عام 1362هـ في حي المفرق بالرس في أحضان والده الذي ربّاه على الخُلُق الحسن والأدب الجم, وكان هو الساعد الأيمن لوالده في أعماله. ودرس في المدرسة السعودية الابتدائية, وبعد أن تخرّج منها سافر إلى الرياض في عام 1379هـ وعمره في حدود السابعة عشرة والتحق للدراسة في معهد الملك سعود الفني التابع لوزارة المعارف آنذاك. وبعد أن تخرّج منه مع مجموعة من زملائه من الرس تم ابتعاثهم إلى إيطاليا في 19-3-1384هـ للدراسة الفنّية وعادوا منها يحملون الدبلوم المهني تخصص ميكانيكا. وتم تعيينهم مدرسين مهنيين في المعهد الملكي بالرياض.
كان الأخ عبدالرحمن -رحمه الله- له إبداعات كثيرة، حيث صنع قبل سفره للدراسة سيارة جيب صغيرة كان يعرضها في حي المفرق ويشاهدها أقرانه من أبناء الحي. وعندما كان في المعهد الملكي صنع خزنة حديدية متينة وكبيرة (تجوري) لحفظ النقود والمستندات المهمة. كما أبدع في صنع مجموعة من المستلزمات التي يحتاجها العمل في المعهد في الشؤون الفنية والإدارية. ومن إبداعاته: أن كان في المعهد آلة مهمة في العمل المهني وغالية الثمن ومتعطّلة عن العمل وكان يوجد مجموعة من المدربين الخبراء من ألمانيا, وكتب الخبراء تقريراً عنها بأنها لا يمكن إصلاحها, فتولى أخي عبدالرحمن إصلاحها وعادت للعمل فتعجّب الخبراء من قدرته ومعرفته.
ومن إبداعاته الكثيرة -رحمه الله - أنه قام بعمل مجسّمات ولوحات إرشادية لمرور الرياض. كما أنه صنع في المعهد الملكي ساعة حائط من الألمنيوم الملوّن. كما أن من أعظم إبداعاته هو وزميل له (مبخرة الجنادرية) التي تم نصبها في مدخل المهرجان ويشاهدها كل من زار مقر المهرجان. وتعتبر معلماً بارزاً من معالم الجنادرية ولا تزال موجودة. كما اخترع مبخرة صغيرة تعمل على بطارية السيارة. كما ساهم في تصميم سقف فندق إنتركونتيننتال بالرياض.
كان رحمه الله يتحدث اللغة الإيطالية بطلاقة. كما التحق بدورة تدريبية في دولة ألمانيا في تخصصه في عام 1397هـ ودورة أخرى في عام 1405هـ تعلّم خلالها اللغة الألمانية.
عاش أخي عبدالرحمن آخر حياته مريضاً يرجو الشفاء والأجر من ربه. وانتقل إلى رحمة الله وقد كسب محبة أهله ومحبيه وكل من عرفه. ومن حسن حظي أني حضرت الصلاة عليه ودفنه وعطّرت عيني برؤية جبينه حيث أدّيت عليه صلاة الميّت وكشفت عن وجهه وطبعت قبلة على جبينه الأغر مودّعا له وداعيا له بالمغفرة.
اللَّهم إن عبدك الضعيف أخي عبدالرحمن قد أمسى ضيفاً لديك وبين يديك, وقد آمن بك في الدنيا يعبدك ويؤمن بك يرجو رحمتك ويخشى عذابك. فلا تتركه في وحدة القبر ووحشة الظلام, اللَّهم اجعل له من رحمتك أنيساً ومنك مغفرة, اللَّهم كن وليًّا له, اللَّهم باعد بينه وبين العذاب كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللَّهم ارحمه تحت الأرض ويوم العرض كما رحمته بالدنيا يا واسع المغفرة, اللَّهم هوِّن عليه السؤال وثبّته عند الإجابة, اللَّهم إنه أصبح ذليلاً خائفاً وآمنه وخفف عليه وتولّه برحمتك ووسّع له في قبره ونوّر له فيه. اللَّهم ضاعف أجره وثقِّل حسناته وكن معه ولا تتركه يا كريم يا رحيم. اللَّهم تغمّده بواسع رحمتك واجعله في جوارك, اللَّهم لا تجعل موته فتنة على أهله جميعاً وصبّرهم بصبر منك وأنزل عليه شآبيب الرحمة. اللَّهم اجمعنا وإياه مع والدينا وإخواننا في جناتك جنات النعيم.
** **
- الرس