سرور الحنيان
منذ أن يدرك الإنسان معنى المفردات يجد نفسه متطلعًا لأجمل الكلمات، منساقًا مع الفطرة، يبهجه التقدير والاحترام اللذان هما من الحاجات الخمس التي ذكرها العالم النفسني الأمريكي (إبراهام ماسلو) الضرورية لبناء شخصية الإنسان، حيث تدعو نظريته للاهتمام بالإضافة للاحتياجات الفسيولوجية، احتياجات الأمان، والاحتياجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير، والحاجة لتقدير الذات.
وأهم سببين يبنيان الشخصية الواثقة بيئتها الحاضنة من أسرة ومدرسة ومجتمع، والعوامل الجينية التي نسميها القدرات من ذكاء وغيره، وللإنجازات الشخصية دور كبير في تطور ثقة الإنسان بنفسه، وإذا عجز في الوصل لهدفه، وكان غير واعٍ لأسباب فشله، وضعيف الهمة والعزيمة لتحقيق أمله؛ فسيبقى خاملًا يشبع حاجاته النفسية والاجتماعية بالشكليات، والتضخم الوهمي، وهذا ما نسميه في لغتنا الدارجة اليوم بالهياط، والهياط ليس معنى جديدًا فقد ورد في معاجم اللغة يقول ابن منظور في كتابه (لسان العرب): «والهياط والمهايطة: الصياحُ والجَلَبَة»، أي الخروج عن المعتاد برفع الصوت والصخب، وهذا من مظاهر الهياط التي نشاهدها.
والمصابون بالهياط هم نِتاج ظروفهم، وطبيعة شخصياتهم، وفشلهم في تحقيق نجاحات حقيقية. هذا المثلث يفرز لنا هذه الشخصيات الناقصة التي تبحث عن سد فراغات النقص طوال حياتها، وتختلف طرق الهياط ومظاهره حسب ثقافة المكون الاجتماعي الذي ينتمي إليه ممارس هذا السلوك، وكلها محاولة لإيجاد قيمة.
وقد أذكت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الظاهرة بقوة وطفا من يعانون منها أمام كاميرات الجوالات الذكية، وأصبحت مواقع التواصل مسرحاً لهياطهم، واستعراضهم فلا يهدأ لهم بال دون صورة، أو مقطع، أو عبارات تعبر عن ضعفهم، وتفاهة عقولهم وليتهم يقدمون محتوى مفيداً ينفع الآخرين كل ما يقدمونه هو الإصرار على لفت الانتباه بأي تفاهة ترفع من ضجيجهم وتهوي بقيمتهم؛ وكلها تدور حول المظاهر والبهرجة والتفاخر العنصري والتنمر واستضعاف الآخرين، وأسوأها كلها استغلال القيم الجميلة للترزز، وكسب الأمجاد الوهمية كالبذل تحت أعين الكاميرات، ومضايقة الضيوف بالفلاشات، وحشر الأنوف في القضايا والحالات الإنسانية النبيلة للظهور بمظهر الأبطال، وكان عليهم أن يقاوموا الإحساس بالنقص بطريقة صحيحة ترمم شخصياتهم، وتزيد من وعيهم بأخطائهم، والسير في إصلاحها بالعلم والوعي والإنجازات التي تزيد من الثقة، وتصحح المسار وترضي حاجة النفس للتقدير والاحترام بصورة صحيحة؛ فقيمة الإنسان تراكمية وتحتاج إلى زمن تبنى فيه بالقيم العالية والأخلاق الفاضلة والعلم والفكر النير والنجاحات الحقيقية التي تسهم في نهضة الوطن، وتطوره على الأصعدة كافة.