عثمان بن حمد أباالخيل
للحزن درجات، تختلف مُسمياته حسب وقعها على الإنسان، وهي (الكمد والبث والكرب والسدم والأسى والتلهف والوجوم والأسف والكآبة). وكما هو معروف، الحزن إحدى صور المشاعر الإنسانية الفطرية، كما هو في الحب ودرجاته التي هي (الهوى والصّبْوة والشغف والكَلَف والعشق والنجوى والوُدّ والهيام أو الجنون). الإنسان يمر في حياته بمواقف محزنة، كدخوله في تجارب عاطفية، أو تعرُّضه للغدر من أحد المقربين أو المقربات، أو الإصابة بمرض عضال، أو الخيانة الزوجية، أو عقوق الذرية.. وهناك كمٌّ كبير من صور الحزن، لكن قمة الحزن موت عزيز وغالٍ.
الحزن يجعلنا نستشعر آلام الآخرين عندما يحزنون، ويدفعنا لمساعدتهم، وهذا ما أسميه محيط حزن الآخرين الحزناء. هذا المحيط سرعان ما ينكمش وينغلق على نفسه مع مرور الأيام وربما الساعات، ويعتمد ذلك على العلاقة الإنسانية بين الأطراف.
ما يحز في نفسي ونفوس الآخرين الذين يشعرون بالحزن أثناء تقديم واجب العزاء للإنسان الحزين الذي يتألم ويعتصر ألمًا بفقيده أن هناك بعض المعزين الذين يتناسون أو ينسون أنهم في لحظة عزاء؛ فيغوصون بالحديث في أمور الدنيا، كالأسهم والعقار وأسعار الأراضي وجائحة كورونا، غير مدركين وغير مراعين ألم الحزن.
في المقابل هناك بعض النساء لا تدري أهي في عزاء أم في حفلة شواء. هذا الأمر قبل جائحة كورونا على مستوى كبير، لكنها على مستوى صغير أثناء الجائحة. وأجزم بأنها ستعود حين تنتهي جائحة كورونا؛ إنها ثقافة مجتمع.
تعود الحياة إلى طبيعتها، وتضيق دائرة الحزن؛ لتتمركز في قلب الإنسان الحزين، القلب الذي يحزن. وقد يتطور الحزن إلى حالة من الاكتئاب والاضطرابات النفسية. الحزنُ بُركان خامد، قد يثور في أيَّة لحظة، ونحن نجهل ساعة ثَوَرَانه؛ لأننا نجهل أنفسنا.
والدتي -رحمها الله- حزنتْ طويلاً، حزنت أكثر من أربعة عقود حين تُوفي أخي الذي يكبرني. الموت بيد الله، وهي الحقيقة المطلقة التي ينبغي أن يحترمها الناس مهما كانت مؤلمة وصاعقة.
أقتبس بيت الشعر:
إنّ القلوبَ إذا تنافرَ ودّها
مثل الزجاج كسرها لا يُجبَرُ
أصبتَ، فقلوب الناس وحواسها متنافرة داخليًّا لكن متماسكة داخليًّا. إنه عصر الأنا، عصر التضخم والانحراف في الأنا. لم تعد المواساة والوقوف مع أحزان من هم في دائرة حياتك مهمة؛ فالجميع في عالم «اللهم نفسي»، لكن هناك مَن يعيشون حالة الحزن التي لا يعلمها إلا الله.
الإنسان عليه معايشة الحزن بعد فقدان شخص عزيز أو حدوث تغيُّر جسيم. ويأتي هذا الشعور، الذي يكون شديداً ومملوءاً بالألم في أغلب الأحيان. هنا يتركز محيط الحزن ليتمركز في منتصف الدائرة. ويبقى الذكر الحسن.. فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة.. وقد استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ».
من أقوالي: «الحزن الصامت يحطم القلب ويدفع إلى الكآبة».