شريفة الشملان
رمضان يعود مرة في العام، وفيه تغير للحياة ونمطها وفرحة للبيوت، ليست بيوت الأغنياء فقط ولا متوسطي الدخل، ولكن بيوت الفقراء؛ إذ يكون الرزق الوفير، والملابس التي يتبرع بها المحسنون للعيد، فيكون رمضان كله عيدًا، و(عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام). أهازيج ما زلنا نتذكرها لأيام القرقيعان الجميلة في منتصف رمضان، وتلك لها حكايات متعددة إن أسعفني المجال ذكرتها في نهاية المقال.
من الجمال أن يُحتفل ويُحتفى برمضان وتبقى ذكريات في قلوب الصغار الذين بدورهم ينقلونها من جيل لجيل. ومن المحبب أن يكون رمضان ثلاثين يومًا تطرز بالحبور والخير وسعادة لنا ولمن حولنا، لا أن يحوَّل رمضان من ثلاثين يومًا لثلاثين حلقة يتبارى المنتجون والمخرجون والممثلون بمص وشفط جماله الروحاني ليلاحق الجميع هذا المسلسل أو ذاك؛ فتُفقد روحانية الشهر أو جزء منها. رمضان فرصة للنقاء الروحي لا لتشعب الذهن بين هذا المسلسل وذاك، وبين الممثل الفلاني والممثلة تلك. عندكم أحد عشر شهرًا العبوا كما تشاؤون لكم، غنوا ومثلوا وحتى ارقصوا، لكن فضلاً اتركوا الملعب قليلاً في رمضان، أو أعيدوا لنا مجد المسلسلات التاريخية التي تحكي أيام الإسلام الأولى وتاريخ الخلفاء الراشدين، وقيام الدول الإسلامية والفتوحات الإسلامية.. قدِّموا لنا برامج عن رمضان في العالم الإسلامي. نحن نعرف عن بلداننا العربية لكن لا نعرف الكثير مثلاً عن رمضان في بعض الدول الإسلامية الصغيرة غير العربية، ولا تلك التي يكون المسلمون جزءًا صغيرًا أو كبيرًا منها إلا ما قَلّ، تقاليدهم وعاداتهم واحتفالاتهم.. وسيكون أفضل لو عملت برامج رمضانية لهم وبلغاتهم، ولا أدري إن كانت لدينا إذاعات موجهة لهم، فدولتنا هي المركز الرئيسي للعالم الإسلامي.
رمضان شهر جميل، ويزورنا مرة في العام؛ لذا نحن أحق بحسن استقباله، وعلينا أن نتذكر كم أخطأنا بحق أنفسنا وحق من يعز علينا؛ لذا هي فرصتنا للتكفير عن ذلك، وللوصل، ولزيارة الأقارب مع أخذنا بعين الاعتبار أننا في زمن كورونا، وهو زمن غير جميل، لكن رمضان هذا العام يأتي بقيود أخف من العام الماضي؛ لذا من واجبنا مراعاة هذه القيود حتى لا يُظلم الملتزم بما يفعله المهمل وغير المبالي.
نريد التراويح والقيام، نريد «قرقيعان» جميلاً لأطفالنا، وشموعًا توقد فرحة يتذكرونها وينقلونها لصغارهم فيما بعد.
القرقيعان على وقتنا كان بسيطًا وممتعًا. ولأننا في بيوت متقاربة، وبين أهل وجيران، نعرف بعضنا بعضا، وعادة كبار الصبيان يحمون الصغار من الجنسين، وسيدات البيوت يلبسن زينتهن الخاصة بملابس تليق بالمناسبة، مع الأهازيج البسيطة التي تمجد شهر رمضان، وأدعية للحج والعمرة، والبنت التي اسمها نورة لها دعاء خاص (يا مكة يا المعمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة، فكوا الكيس وأعطونا، لولا فلان ما جينا).
ويفسر البعض ذلك أن أيام العباسيين في بغداد كان الأغنياء يوزعون الزكاة في الأيام المنيرة من الشهر من 13 و14 و15. ولأن الفقراء يجلبون صغارهم معهم؛ لذا كانت سيدات البيوت يعطينهم الحلويات والمكسرات التي كان صوت صداها يحدث قرقعة في جيوبهم؛ لذا أطلق عليه «قرقيعان». وهناك من يقول هي عادة مستحدثة منذ بداية القرن التاسع عشر، وهناك من يتمادى، ويكفر هذه العادة المرتبطة بالشهر الكريم، خاصة أيام ما سمي بالصحوة، على أني أراها عادة رمضانية تحبب الصغار بالشهر الفضيل، ولو أن صغار اليوم صارت أمامهم الحلويات والمكسرات على أرفف المحال التجارية، وفي جيوبهم نقود يشترون بها، لكن تبقى الجماعة والأهازيج مما يميزها.
جاء رمضان والمقال سينشر في أول خميس. هناك كراسي خالية لمن رحلوا بكورونا وغير كورونا، ولكنها كراسي أكثر مما اعتدنا فلروحهم جميعًا الرحمة والنور، ولقلوب ذويهم العزاء والصبر والعوض الكريم من رب رحيم.
وكل رمضان ووطننا بخير. اللهم ألهمنا الصلاح والفلاح، واحفظ بلادنا من كل شر، وازرع بها كل خير.