محمد جعفر العبدالمحسن
العائلة هي الكيان والأصل وهي كالشجرة الممتدة بالأغصان، فإذا كانت الشجرة طيبة ومثمرة وزكية المنظر والرائحة أنبتت ثمراً طيباً وعطراً فواحاً، وأما إن كانت كثيرة الشوك بشعة المنظر حملها فاسد فيجب قطعها لا محال!
في غالب الأمر هناك حالة بين الحالتين السابق ذكرهما وهي الأشجار المتأقلمة تكون الشجرة لم تثبت بشكل صحيح ووفق لقواعد صحيحة ولكن هناك مجال لإفسادها بتأجيج المشكلة وإزالة الشجرة نتيجة لسلبياتها الكثيرة وبغض النظر عن محاسنها وهناك تارة من يصبر ويحسن وضعها ويضحي لها بتربة وبمواد وماء ويعدل غرسها ويقومها فتراها تزهر وتنمو ولو بعد حين وتسر الناظرين في النهاية تكون النتيجة كالشجرة الأولى لا فرق.
الشجرة مثال واقعي حقيقي عن العائلة في بداية تكوينها منذ غرسها (الزواج) فطبيعة البشر عند العلاقات الجديدة تحدث النزاعات والاختلافات في طريقة العيش ووجهات النظر وتضاد الشخصيات ولا يوجد منزل يخلو من المشادات والنزاعات العائلية مهما كانت علاقتهم متراصة بالحب والود لأن ذلك من طبيعة البشر.
في الفترة الماضية كثرت حالات الطلاق والخلع وتأججت قضايا النفقة والحضانة في أروقة المحاكم، حتى باتت قضايا الأحوال الشخصية هي أكثر القضايا ولكنها لم تكن أفضلها لأنها في كل الأحوال كانت نتيجة تفرقة شمل وتمزيق لكيان الأسرة.. نعم صحيح أن هناك حالات يكون الاستمرار في الزواج سوءاً في سوء والتفريق فيها هو الحل والطريقة السليمة، بل يكون ذلك مفتاح الحياة لهم، ولكن في مقالي هذا أتطرق لحالات المبالغة في المشكلة وتأجيج النزاعات والشد المبالغ فيه من أطراف النزاع حتى يكون الأطفال هم الممزقين في النهاية!
في القرآن هناك آيات تطرقت للتفرقة ووضعت المعيار للعلاقة من باب الإنسانية واللطف بين البشر حتى في أشد حالات التفرقة {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، الإحسان وكم هو من معنى جميل لمن يعيه.. لنحسن في نهاية علاقاتنا بشكل عام وحتى في الانفصال في العلاقات الزوجية ليبقى الذكر الطيب والاحترام ونمحو الخصومة والعداوة!
عند التأمل في أسباب انتهاء العلاقة الزوجية والمشادات التي تحدث قبل الانفصال بين الأزواج، نرى أن من الأسباب الحقيقية التي أدت لتأجج المشكلة وتفاقم الصراع هو فقدان شخص حكيم قريب من الزوجين يرشدهما ويحسن علاقتهم وينصحهما ويحاول تقريب وجهات النظر وتليين الجانب لكل طرف بدون تحيّز لطرف دون الآخر، وهذا الطرف الحكيم بدأ يكون نادر الوجود على عكس المفترض، بحجة احترام الخصوصيات وعدم التدخل في الأمور التي لا تعني إلا الزوجين، متناسين الضرر الذي سيقع على الأطفال والعائلة الممزَّقة في نهاية الطريق، ونرى كذلك منظراً مزعجاً جداً من الأقارب والأصدقاء خاصة وكذلك من الآباء والأمهات بشكل عام وذلك عند تأجيج النزاع وزيادة الحطب على النار لتشتعل الأمور بدلاً من تهدئة النزاع لحين التفكير والوصول إلى حل سليم وعقلاني ومرضي للطرفين ومراعي في ذلك ظرفهم وهذا يعتبره هؤلاء عبارة دفاع عن الأبناء وحماية لحقوق الطرف والوقوف معه ونصره وهو على العكس لو تدبرنا الوضع، وهنا قد تكون هذه المسألة من اختصاص الأخصائي الأسري عند وجود طريق للصلح والعودة والتعايش وهو أعلم بما يجب فعله من الأقارب والمحامين كذلك فدوره علاجي هنا.
الطلاق فراق جميل بعد عشرة لا مجال للاستمرار فيها وبعد الإصلاح اللا متناهي فيها وهو نهاية الطريق ولكن يبقى الأثر والإحسان وتزول أسباب النزاع مع الزمن.
لنحافظ على كيان الأسرة وندعم العلاقات الزوجية ونقدم ما يمكننا تقديمه وأن لا نساهم في التفرقة والطلاق وتشتت الأسر إلا إذا كان هناك مبرر واقعي وحقيقي ولنتذكر أن الله جلَّ جلاله يبغض الطلاق رغم أنه حلال لما فيه، لا نتساهل ولا نبسط الطلاق والخلع لنفهم ونعي حقيقته وندرس جوانبه ونتخذ القرار بشكل سليم وليس لمجرد العنجهية والرغبة، فالانتصار في حرب الجميع فيها خاسر بالتأكيد.