د. حسن بن فهد الهويمل
رمضان من منظور فلسفي تحطيم لرتابة الحياة، وإعادة عجلى لمسيرة الخلق، ومختبر يتدارك من خلاله المسوفون على أنفسهم ما فاتهم من صالح الأعمال.
في عنفوان فتوتي أنقطع: لكتبي ومكتبتي، وكتاباتي، أجوبها آناء الليل، وأطراف النهار، وأرفرف كالنحلة أجوب حقولها المتعددة الأذواق، والطعوم، والأشكال، والألوان. لا أفرق بين حقولها المعرفية.
ولما سخت في لجة السبعين أدركت فداحة الخسارة التي وقعت فيها أنا وأترابي. ولا سيما عندما وقفنا على ندامة العلماء الأوائل. لقد شغلتهم المعارف، والفنون عن تدبر الذكر الحكيم والشرب من معينه، الدفاق، ونميره الصافي المغداق.
في رمضان ينساق الجميع وراء الذكر الحكيم قراءة، وتدبراً، وترتيلاً. كل البيوت، والمساجد يرتفع فيها صوت القرآن طوعاً، أو كرهاً. لأنه زمن مرتهن للذكر الحكيم.
آي الذكر الحكيم يتجدد عطاؤها، وتتولد معانيها، وكل عالم، أو نازلة تكشف عن درر مخبوءة وأحكام مطمورة، ولكننا شغلنا بغيره من معارف القوم.
القرآن بحر لجي في أحشائه الدر كامن:
(فهل سألوا الغواص عن صدفاتي..؟)
لقد حاولت رصد نتائج التأملات، فوجدت أن كل شوط دلالي يكمن على درر، لم يقف عليها من سبق. وهذا سر الإعجاز المبهر. لا يكفي هذر القرآن، لا بد من التدبر.
الله تعبدنا بالتدبر مثلما تعبدنا بالتلاوة، بل التدبر أهم من التلاوة.وبخاصة في زمن التفلت، ونقض عرى الإسلام.
والأديب المنشئ، يجد روعة البناء الجمالي للغة، ويطرب من جماليات الصوت.
المتذوقون يطربهم الترتيل، والإعجاز البياني تلمسه المجدد البلاغي (الجرجاني) في (دلائل الإعجاز) وذلك عندما حاول فض النزاع بين المفسرين من علماء المذاهب، والطوائف.وبخاصة (المعتزلة)وقضية (الصرفة).
حقل القرآن في مكتبتي من أوسع الحقول وأشملها، وأنقطع له في أيام رمضان ولياليه. زاده الله طهراً، وصفاء، وتقبل الله منا، ووفقنا، وأعاننا.
القرآن مصدر كل شيء من انقطع له ذلّت له الأعناق. بوركت يا شهر الخير، والبركات.