الكويت - خاص بـ«الجزيرة»:
دعت أكاديمية متخصصة في العلوم الشرعية إلى استغلال شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والطاعات والبركات، وشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران في تعليم الأطفال للقرآن الكريم، وتثبيت معانيه في قلوبهم، في شهر خصه الله وميزه بفضائل عديدة؛ منها إنزال القرآن الكريم فيه، وهو شهر القرآن، والعلاقة بين القرآن ورمضان علاقة وثيقة؛ فعن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة (رواه البخاري).
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: دلّ الحديث على استحباب دراسة القرآن الكريم في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وقد كان للسلف -رحمهم الله- اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان، بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره، وكان الزهري إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام، ويقول ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وقال عبدالرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.
وقالت الدكتورة سارة بنت ملتع القحطاني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت: إذا كان الصالحون يتنافسون في التفرغ للقرآن في رمضان تلاوةً وحفظاً وتدبراً؛ فلا شك أن رمضان أيضاً يعد فرصة عظيمة للآباء والمربين -في المقام الأول- لتنمية علاقة النشء بهذا الكتاب العزيز تلاوةً وحفظاً وتدبراً؛ حفظاً لفطرتهم، وصوناً لأسماعهم وأبصارهم وجوارحهم مما يتخطفها من ألوان التشويه والمسخ في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته) متفق عليه، وقال الإمام ابنُ القيِّم -رحمه الله-: «فمَنْ أهمَلَ تعليمَ وَلَدِه ما يَنْفَعهُ وتركَهُ سُدىً، فقد أساءَ إليهِ غايةَ الإساءةِ، وأكثرُ الأولادِ إنما جاءَ فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهم لهُم، وتركِ تعليمهِم فرائضَ الدِّينِ وسُنَنه، فأضاعُوهُم صغاراً، فلَم ينتفعوا بأنفسهِم، ولم ينفعوا آبَاءَهُم كباراً، كمَا عاتَبَ بعضُهُم ولَدَهُ على العُقوقِ، فقالَ: يا أبَتِ إنكَ عَقَقْتَني صغيراً، فَعَقَقْتُكَ كبيراً، وأضعْتَنِي وليداً، فأضعْتُكَ شيخاً»(تحفة المودود في احكام المولود)، وقال الحافظ السيوطي -رحمه الله-: (تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام به ينشأ على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال).
وأوضحت الدكتورة سارة القحطاني أنه استقر عند العقلاء أن إهمال تعليم الأطفال شيئاً من كتاب الله -عز وجل- منذ الصغر أحد أهم أسباب فسادهم وفتح باب الانحراف أمامهم؛ فكيف بتركهم لبعض وسائل الإعلام والتواصل في شهر تتنافس فيه على الصد عن ذكر الله، وأنه من فيض الكرم الإلهي أن كتب الأجر العظيم على تعليم الأولاد القرآن ومن ذلك:
ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من قرأ القرآن وعمِل بما فيه، ألبس والده يوم القيامة تاجاً، ضوؤه أحسنُ من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، وكانت فيه، فما ظنكم بالذي عمِل به؟!)، وفي رواية أخرى: (مَن قرأ القرآن وتعلَّمه، وعمِل به، ألبس يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويُكْسَى والداه حُلتان لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بما كسينا، فيقال بأخذ ولدكما القرآن).
وشددت الدكتورة سارة القحطاني القول: إن تعليم الصغار كتاب الله -عز وجل- من أعظم أسباب رفع البلاء عن الأمة بأسرها، فقد روى الدارمي عن ثابت بن عجلان قال: «كان يقال إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا تعلم الصبيان الحكمة صرف بذلك عنهم يعني بالحكمة القرآن»، وما من فرصة أفضل لتعليمهم القرآن وتثبيت معانيه في قلوبهم من شهر رمضان.. شهر القرآن، وإن احتساب الأجر في ذلك يزيد من فضله وثوابه.
وسألت المولى -عز وجل- أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، وأن يرزقنا حفظه وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.