منصور ابراهيم الدخيل
المشاعر الوجدانية هي تفاعل الإنسان مع المحيطين به وحتى البعيدين عنه، وهي سلوك أخذت توهجها من الرحمة التي هي التي فطر الله الناس عليها، فنبي هذه الأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين جعل حياة الأمة كلها تراحماً ومحبةً وتكافلاً وإيثاراً وتسامحاً ومواساة، ومن هنا يأتي دور الإنسان لممارسة هذه المعطيات الحسية والمعنوية إلى مشاركات هدفها التخفيف من المعاناة التي يواجهها الإنسان والأمة والتي يقوم بها أفراد وجماعات.
فحالات الوفاة التي هي سنة الله في خلقه تعتبر من المواقف المحزنة للإنسان التي تتطلب سرعة التفاعل معها من أفراد الأسرة والأقارب والأحباب ليس اعتراضاً على أقدار الله إنما إيماناً وقبولاً بها وحث أهل المصيبة على ذلك امتثالاً لقول الله { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
ففي يوم السبت 22- 7-1442هـ عشت هذا المشهد في وفاة ابنة العم المربية الفاضلة عفاف عبدالله صالح الدخيل مديرة رياض الأطفال في جامعة الملك سعود سابقاً، وكانت وفاتها صدمة لأسرتها ومحبيها وزميلاتها لأنها تمثِّل النموذج المثالي للمرأة الصالحة التي تعاملت مع منظومة الحياة في جميع مجالاتها كأم وربة بيت ومربية فاضلة استطاعت أن ترسخ المعاني السامية للتربية في أعلى درجاتها، وهذه فلسفة لا يحيط بها ولا يعانقها إلا من ارتبط بالتأصيل العقدي والقيمي، ففقيدتنا هي من انتهجت هذا النهج إيماناً منها بأن الإسلام كرَّم المرأة وأعطاها حقوقها كاملة.
وبقي دورها في توظيف هذه الحقوق في قنواتها السوية، وقد تحقق لها ذلك فأركان الإسلام والإيمان والإحسان ومعطياتها حاضرة في أدق تفاصيلها وعاشت القدر والامتحان والابتلاء بقبول وصبر مع زوجها الدكتور محمد حسن مفتي مدير مستشفى قوى الأمن سابقاً الذي تعرّض لمرض عضال وتم إرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج على نفقة الدولة ومكثت بجواره أكثر من سنة ترعاه وتخفف من معاناته حتى توفاه الله وهي صابرة محتسبة.
وبعد فترة ليست طويلة عاشت معاناة أخرى وهي مرض والدتها حيث سخّرت كل وقتها لملازمتها والإشراف على علاجها ومواعيدها في المستشفى حتى توفاها الله وهي أيضاً صابرة ومحتسبة، ولم تنته معاناتها عند هذا الحد، حيث عاشت خلال السنوات الماضية محنة ومعاناة مرضية شديدة، حيث أصيبت بفشل الكبد، وقد بادر أولادها وبناتها باستعدادهم للتبرع لها بدون فضل ولا منة واعتبروه فرصة لهم للبر بها.
ولكن لم تنطبق الشروط على فصيلتها، ولم يقتصر التبرع عليهم، بل أن بعض الأفراد والأقارب أعلنوا عن استعدادهم للتبرع إذا كانت فصيلتهم تتناسب مع فصيلتها، كل هذه المبادرات لم تمنع أولادها عن بذل كل ما يستطيعون في سبيل البحث عن متبرع سواء داخل المملكة أو خارجها ولكن القدر لم يمهلها ووفاها الأجل المحتوم على كل إنسان على هذه البسيطة.
كما قال الله {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} رحمك الله يا أم مشعل وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة وجميع موتى المسلمين وألهم أبناءك مشعل وماجد ومنصور وابنتك مرام وأسرة الدخيل كافة الصبر والسلوان و{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.