د. أحمد محمد الألمعي
من أهداف رمضان التي وضعها الخالق هو تهذيب وضبط النفس والجسد، والفكرة هي أن الامتناع عن الطعام والشراب يدفعك إلى الإدراك والتفكير فيما رزقك الله والشعور بمعاناة غيرك ممن هم أقل حظاً في الدنيا وأن تكون ممتناً لما لديك. رمضان هو الوقت المناسب للمسلمين للتفكير بهدف تغيير شخصيتهم إلى الأبد في سياق ديني وخيري بهدف كسب الثواب، ويغتنم الكثيرون الفرصة لبدء التزامات خيرية جديدة.
الآثار الروحانية والنفسية
رمضان ليس مجرد ممارسة الامتناع عن الطعام بشكل مادي، فالصوم هو التزام للجسد بشعيرة روحية لتطهير الذات، فالصوم من صالح الأعمال التي ترفع إلى الله، ويهدف ذلك إلى تطهير النفس والتركيز على العبادة.
يهدف رمضان إلى تحسين الشخصية والعادات الحميدة، ولا يقتصر الأمر على امتناع الناس عن تناول الطعام والشراب، رغم انه جانب مهم بنفس القدر في رمضان، ولكن هناك جانب غالباً ما يتجاهله غير المسلمين في حديثهم عن رمضان، وهو الامتناع عن الرذائل والعادات السلبية مثل الجدال أو الشجار أو الشهوات، إن صوم اللسان والأذن والعينين عن الأفعال المكروهة في الواقع أصعب.
خلال فترة الصيام، يركز الكثيرون على ضبط النفس، وإعادة تعلم العادات الإيجابية في حياتنا، ويكتسب الناس الصبر والإرادة القوية والانضباط، فجهاد النفس هو هدف سامٍ للصيام . وقد استخدمت الإدارات الصحية والعيادات في بريطانيا فكرة صيام رمضان كنموذج للحد من تدخين السجائر. ولا ننسى الجانب الروحي للصلاة في رمضان، فهي سبيلنا إلى زيادة الوعي والتقرب من الله، وتمنح الناس القوة والصبر وطمأنينة النفس.
الآثار الاجتماعية
من خلال تجربتي الشخصية خلال إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية 21 سنة للتدريب الطبي والعمل، كان من عادات ومظاهر رمضان التي يمارسها المسلمون في الغرب خلال شهر رمضان، الاجتماع في المساجد للإفطار ودعوة غير المسلمين في مآدب إفطار جماعية في صالات ُتخصص لهذا الغرض بهدف دعوي والتبرع للجمعيات الخيرية. وتعتبر هذه الفترة، فترة تأمُّل للكثيرين، كما يجدون وعياً جديداً بحياتهم ويحسون بمشاعر الطمأنينة والراحة النفسية لقدرتهم على العطاء ومساعدة الغير.
إن الصدقة لا تقل أهمية عن الصيام، فالمسلمون ملزمون بتقديم 2.5 في المئة من أصول أموالهم للأعمال الخيرية كزكاة ، ويُعرف رمضان أيضاً باسم شهر نكران الذات والعمل الخيري، فعلى سبيل المثال تم التبرع بأكثر من 100 مليون جنيه إسترليني للأعمال الخيرية من قبل المسلمين البريطانيين خلال الشهر في عام 2016، وقدر تقرير التبرعات الخيرية الإسلامية بمبلغ 38 جنيهاً استرلينياً لكل ثانية خلال شهر رمضان في تلك السنة.
رمضان ينمي القيم الروحية والاجتماعية والأخلاقية، خلال هذا الوقت يحظى الفقراء بالاهتمام والإحسان، بينما يمارس المسلمون كرم الضيافة. يهدف تحقيق المساواة بين الغني والفقير، حيث يعاني الأغنياء من الجوع ويتعلمون إظهار الاحترام وتقدير من هم أقل حظاً.
أصحاب العمل المدركون لرمضان
يتم تشجيع أصحاب أو أرباب العمل المسلمين في الغرب على تبني أساليب عملية للتعامل مع الموظفين خلال شهر رمضان. وهذا يشمل النظر في الترتيبات المؤقتة مثل ساعات العمل المرنة أو العمل عن بعد.
خمس فوائد جسدية ونفسية للصيام مثبتة علمياً
بينما يستعد المسلمون في جميع أرجاء العالم للصوم، ونظراً لأن شهر رمضان يتم تحديده من خلال التقويم القمري، فإن موضع الشهر في التقويم الشمسي يختلف قليلاً كل عام ، ففي بعض السنوات التي يقع فيها الشهر ضمن أطول أيام السنة ؛ فإن أولئك منا الذين يعيشون في الأجزاء الشمالية من العالم قد يجدون أنفسهم صائمين لمدة تصل إلى 21 ساعة في اليوم. كما تتيح الاختلافات التي تم ذكرها في هذا الشهر العديد من الفرص للاستفادة منها جسدياً ونفسياً.. وفيما يلي 5 من تلك الفوائد النفسية والطبية:
زيادة حساسية وفعالية الأنسولين
حساسية الأنسولين مصطلح يستخدم لوصف مدى فعالية الجسم في خفض مستويات السكر في الدم، عن طريق إفراز هرمون الأنسولين. سيحتاج الشخص الذي يعاني من حساسية أعلى للأنسولين إلى كمية أقل من الأنسولين للتعامل مع الجلوكوز في دمه مقارنة بشخص لديه حساسية أقل. يمكن أن يؤدي انخفاض حساسية الأنسولين إلى حدوث مجموعة من الآثار السيئة مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستويات الكولسترول وأمراض القلب والسمنة.
ثبت علمياً أن الصيام يزيد من حساسية الأنسولين بشكل كبير ويخفف ذلك من أعراض مرض السكر.. باختصار، يمكن أن يساعد الصيام في تعزيز حساسية الأنسولين، والذي يمكن أن يساعدنا بدوره في الحصول على ضغط دم صحي، ومستويات الكولسترول، ووظائف القلب، ووزن أكثر صحة، وتقليل مخاطر الإصابة بمرض السكري.
إحداث وإنتاج الالتهام الذاتي لخلايا الدم Inducing Autophagy
البروفيسور يوشينوري أوسومي، الحائز على جائزة نوبل في الطب وعلم وظائف الأعضاء لعام 2015، كرس نفسه لدراسة عملية تسمى الالتهام الذاتي. الالتهام الذاتي هو العملية التي يتم من خلالها تحطيم الخلايا الحية وإعادة تدوير الأجزاء الخلوية الميتة أو المريضة أو غير المستخدمة، مما يجعلها متاحة للاستخدام مرة أخرى بطريقة أكثر فعالية. وبتعبير مبسط، فإن الأمر يشبه تجريد سيارة قديمة وإعادة استخدام الأجزاء التي قد لا تزال مفيدة في مكان آخر.
لقد وجد أن الالتهام الذاتي يلعب دوراً حاسماً في مساعدة الجسم على محاربة ظهور مجموعة واسعة من الأمراض والعلل، بما في ذلك الاضطرابات العصبية مثل مرض باركنسون والزهايمر وهنتنغتون. لقد ُوجد أن الصيام وسيلة فعالة للحث على عملية الالتهام الذاتي في الجسم للتخلص من مخلفات الأيض في الجسم ، وبالنسبة لأولئك الذين يهتمون بالجمال أكثر من اهتمامهم بصحة أدمغتهم، وُجد أيضاً أن الالتهام الذاتي يقلل من سرعة تقدم الأفراد في العمر.
باختصار، يمكن للصوم أن يحفز الالتهام الذاتي، والذي بدوره يمكن أن يمنع مجموعة من الاضطرابات العصبية، وكذلك مساعدتنا على أن نبدو أصغر سناً.
تعزيز صحة القناة الهضمية
اتضح أن وجود توازن صحي للبكتيريا في الأمعاء أمر بالغ الأهمية لصحة الجهاز الهضمي. أفاد باحثون من معمل البروفيسور جون توماس بجامعة أكسفورد بأن ذباب الفاكهة الصائم شهد نشاطاً جينياً ينتج عنه استجابة مضادة للالتهابات تحمي أجهزتها الهضمية والبكتيريا الموجودة داخلها. بينما أجريت هذه الدراسة على ذباب الفاكهة، تم اختيار الذباب نظراً لوجود نفس الجينات المرتبطة بعملية التمثيل الغذائي مثل البشر. يمكن أن يعزز الجهاز الهضمي الصحي جهاز المناعة لدينا بشكل كبير. وبناءً عليه، وجد الباحثون أن الذباب الذي صام عاش ضعف عمر الذباب الذي لم يصم.
باختصار، يمكن للصيام أن يعزز صحة الأمعاء، والذي بدوره يمكن أن يحسن نظام المناعة والعمليات الهضمية، مما يسمح لنا بالعيش لفترة أطول.
قتل الخلايا السرطانية
ثبت أن الصيام يساعد في قتل الخلايا السرطانية. وأفاد باحثون من جامعة UT Southwestern دالاس، تكساس، بأن الصيام المتقطع يعيق تطور النوع الأكثر شيوعاً من سرطان الدم في مرحلة الطفولة. أفادت دراسة أخرى، أجريت هذه المرة في جامعة جنوب كاليفورنيا، بأن الصيام، عندما يقترن بالعلاج الكيميائي، يجرد خلايا السرطان من الحماية في حالة سرطان الثدي وخلايا سرطان الجلد، مما يسمح لجهاز المناعة في الجسم بمهاجمة خلايا السرطان بشكل أكثر فعالية. أظهرت أبحاث أخرى منشورة أن الجمع بين الصيام والعلاج الكيميائي يجعل العلاج أكثر فعالية.. باختصار، يمكن أن يساعد الصيام الجسم على محاربة الخلايا السرطانية، بالإضافة إلى إعاقة نموها وتطورها.
زيادة قوة الإرادة النفسية
قضى البروفيسور روي بوميستر أستاذ علم النفس من جامعة ولاية فلوريدا وقتاً طويلاً في البحث عن احترام الذات وضبط النفس وقوة الإرادة. ربما كان من المدهش أنه وجد أن قوة الإرادة هي الأكثر أهمية للسعادة والنجاح من احترام الذات. يشبه نموذج قوة الإرادة في ضبط النفس قوة الإرادة بالعضلة التي يمكن أن تصبح أقوى مع التمرين. باستخدام هذا النموذج، وجد بوميستر وزملاؤه أن الأفراد الذين يكرسون بعض الوقت لتحسين «عضلات ضبط النفس» يرون مجموعة كاملة من الفوائد، يتوقع البعض منها والبعض الآخر أقل من ذلك. من خلال تسجيل المشاركين في برامج تحسين ضبط النفس، وجد الباحثون أن الأفراد يستهلكون كميات أقل من النيكوتين والكافيين، ويديرون عواطفهم بشكل أفضل، ويقومون بمزيد من الأعمال المنزلية، ويتصرفون بشكل أقل اندفاعاً، ويأكلون كميات أقل من الوجبات السريعة ويقضون وقتاً أطول في الدراسة أيضاً. وجد بحثهم أنه يمكن تحسين ضبط النفس، وأدى تحسين ضبط النفس بشكل ملحوظ في منطقة واحدة (مثل الامتناع عن الطعام والشراب) إلى تحسينات في مجالات أخرى (مثل الانضباط العاطفي، أو العادات المالية، أو إدارة الوقت).
استخدم الباحثون نموذج القوة لضبط النفس ليجدوا أن قوة الإرادة القوية يمكن أن تساعد الأفراد أيضاً على التصرف بطرق أكثر دعماً للمجتمع وكل من حولهم. ذكر عالم النفس ناثان دي وول أن الأفراد الذين كانت إرادتهم قويه كانوا أكثر عرضة لمساعدة شخص غريب والتبرع بالمال لطفل مريض وتقديم الطعام لشخص بلا مأوى. يمكن أن يكون تحسين قوة إرادتنا طريقة مفيدة في زيادة سلوكياتنا الإيجابية.
وأود ذكر الاختبار الأكثر شهرة، وهو اختبار Marshmallow مارشميلو لعالم النفس والتر ميشيل هو دراسة أساسية سلطت الضوء على فوائد امتلاك قوة إرادة قوية. وضعت تجربة العالم ميشيل اللذيذة الأطفال في مقعد، وقدمت لهم فطائر محلاة يمكن تناولها على الفور، أو يمكنهم اختيار الانتظار لعدة دقائق، وبعد ذلك يمكنهم تناول حلويات مارشميلوز . أصبحت هذه الدراسة ممتعة للغاية عندما تابعها الباحثون مع الأطفال في وقت لاحق من حياتهم. وجدوا أن الأطفال الذين كانوا قادرين على مقاومة الرغبة في تناول الفطائر المحلاة، وبالتالي تأخروا في إشباعهم لمكافأة أكبر لاحقاً، كانوا أقل عرضة لأن يكونوا في الجانب الخطأ من القانون، والسمنة، وتعاطي المخدرات، بينما من المرجح أيضاً أن يكون لديهم مستويات أعلى من التحصيل الأكاديمي، وأن يكون لديهم علاقات اجتماعية أفضل، وأن تكونوا في صحة جسدية ونفسية أفضل.
يوجد الآن قدر كبير من البحث العلمي الذي يسلط الضوء ويركز على مدى أهمية ضبط النفس كسبب للنجاح والسعادة وجودة الحياة.. باختصار لما سبق طرحه هنا، يمكن للصيام أن يحسن قوة إرادتنا، والتي بدورها يمكن أن تساعدنا في مجموعة من النتائج السلوكية والجسدية والنفسية بما في ذلك النجاح الأكاديمي، وصحة العلاقات الاجتماعية وسلامتها، وعادات الأكل، وسلوك الإنفاق، والسلوكيات الاجتماعية والعاطفية، وإدارة عواطفنا، والسلامة النفسية.