د.محمد بن عبدالرحمن البشر
للإيمان حلاوة ومذاق في الروح يتأجج، لا يضاهيه طعم الفالوذج، به يحل السرور، وتنعم الأنفس وتهون السيئ من الأمور، ودواء لكل داء، وسره في الرجاء، واليقين بأن الله لديه المنع والعطاء، وأن الأمور بالقضاء، من الرب الديان، المعطى الإيمان، لمن منَّ عليه من عباده، ومن اتخذ الحق ملاذه، فنرجو الله أن يمنحنا الإيمان به، وأن يثبت قلوبنا على الحق.
في كتاب، أعز ما يطلب، وهو كتاب مشهور معلوم ألفه محمد بن تومرت الذي بدأت من خلاله دولة الموحدين في المغرب والأندلس، وامتدت إلى أجزاء كبيرة من الشمال الإفريقي حتى وصلت إلى طرابلس الغرب.
تكلم عن أمور كثيرة، ومنها فصول في الإيمان فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل، فقال: «إيمان بالله ورسوله» قال: ثم ماذا؟ قال «والجهاد في سبيل الله» قال: ثم ماذا، قال: «حج مبرور». رواه البخاري ومسلم والترمذي. والحقيقة أن الإيمان صلب الحياة ومنبع الانطلاقة الروحية، والفعلية إلى آفاق أوسع، والجهاد بوسائله المختلفة أيضاً عنصراً آخر، فالعالم يجاهد بعلمه ومخترعاته سواء في توفير ما يحتاجه المجتمع، والفرد من منتجات تساعد على النمو الاقتصادي والحد من الاعتماد على الآخرين، وهو جهاد أيضاً بالصناعة والمخترعات التي تساعد في رد العدو المعتدي الذي يحاول النيل من الدولة والمجتمع، وكذلك الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله لصد من أراد الاعتداء على الأرض والوطن والأعراض والأموال.
وقد عرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإيمان بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، وهناك إيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلاّ بحقها، وحسابهم على الله» أخرجه البخاري ومسلم، وأبوداوود والنسائي، وابن ماجة، والدارمي.
والإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركناً من أركان الإسلام، والإيمان له حلاوة، قالت أم سلمة: «ما صدقت بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع الكرازين» تعني ما صدقت بموته إلاَّ بذلك لما سمعت أيقنت به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً» وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاَّ لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين»، أخرجه البخاري ومسلم.
والحقيقة أن الإيمان عندما يقر في القلب تطمئن النفس، وترضى بما كتب الله، وترى أن كل شيء مقدر، وما على المرء إلاَّ فعل الأسباب والاجتهاد في ذلك، وأما النتائج فإن الخيرة، فيما اختاره الله، فكم من موقف رآه المرء غير إيجابي، ثم يتبين له فيما بعد، أن الخير كله والإيجابية جميعها في وقوع ذلك الحدث الذي كان يظنه المرء قاتماً، وهو جميل.
عندما يكون الإيمان قوياً يسعد القلب بما يراه ويفعله، ويتأكد جازماً أن الله في عونه إذا اجتهد وابلى بلاء حسناً، وعندما يحس المرء بظلم ظلوم، فإنه على يقين أن الله سوف ينصفه، لأنه يعلم يقيناً أن الله عز وجل هو الذي يسير هذا الكون، ويقدر الأقدار، ويوزع الأرزاق.
يقو الشاعر:
ولقد تعارض أوجه لأوامر
فيقودها التوفيق نحو صوابها
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
لهذا فيكفي المؤمن الصادق في إيمانه، عند تعرضه للشدائد ونوائب الدهر أن يجعل الله حسيبه، ويتوكل على ربه، قال المتنبي:
أنت حسبي وفيك للقلب حسب
وبحسبي إن صح لي فيك حسب
ما أجمل كثيراً من الأبيات التي تجسد الإيمان، والثقة في الله، والإيمان بقضائه وقدره، لاسيما الإمام الشافعي وما حواه ديوانه من أبيات تزخر بالحكمة والثقة في الله والتوكل عليه، يقول الإمام الشافعي:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله فيها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
إن المخارج عند الله كثيرة عند النوازل، لكن ذلك يحتاج إلى الصبر والتوكل على الله، والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
فاللهم في هذا الشهر الكريم أن ترزقنا قوة الإيمان وصدقه، والثبات عليه.