الجزيرة الثقافية - حاورها- جابر محمد مدخلي:
الكتابة هي المسؤولية التي يجب علينا أن نجعلها أداة مساعدة وحياة أخرى تُلهمنا إيحاءات، وجماليات، وأفكاراً لا يشعرها غيرنا.
هذه بعض رؤى ضيفتنا التي عرفتها من خلال روايتها «الصابئة» والتي رفعت رغبتي في قراءتها من عنوانها اللافت، وفيما بعد من أحداثها الأليمة. ثمة ما يجعل القارئ يتخلص من مجموعات تأويلات كثيرة وتحديدًا حين تكون لديه صلاحية في البحث والاستقراء حول ما قرأه وأيقظ داخله تساؤلات لا يمكن الإجابة حولها إلا من خلال من كتبها. واليوم ألتقي الروائية حنان القعود بهذا الحوار المتنوع في أطروحاته ومحاوره، فإلى نصه:
* الروائية حنان القعود وقفزة هائلة من إصدار كتاب إلى رواية فائزة؟ كيف حدثت برأيك هذه الانتفاضة القلمية؟
- لطالما كان عالم الرواية ملاذاً لذائقتي كقارئة وشغفي في الكتابة، كانت النية منذ البداية الولوج لعالم الكتابة عبر بوابة الرواية، ولم تكن لدي خططاً حقيقية لنشر كتاب وجدانيات سردية، حيث إنني شرعت في كتابة الصابئة قبل الكتاب الأول واستغرقت مني خمس سنوات حتى تاريخ نشرها. بينما لم أستغرق سوى أشهر لإنهاء كتابي الأول (صه مع خالص عتبي) والذي اعتبرته مصافحة أولية للقراء لاختبار قبولهم لحرفي، فلا أخفيك كان لدي تخوفًا من الإخفاق في كتابة الرواية وتأنٍ مبالغ فيه أثناء البحث والبناء والكتابة الروائية.
* هل تجدين نفسك كاتبة داخل إطار الحب المأزوم كما في إصدارك الأول» صَهْ مع خالص عتبي» أم مُحلّلة بدقة لما بعد الحب الناهض من عثرات حياتية قاهرة مؤثثة بقوة أبطالها كما في روايتك «الصابئة»؟!
- ككاتبة، أجد نفسي مأخوذة بالرواية، فالمتعة والنشوة التي أستشعرها أثناء السرد الروائي هي سحر بحد ذاته. أما فيما يخص الحُب فلكل كتاب قصته وفكرته وبناؤه الخاص به. وقد لا يكون هو الثيمة الغالبة على الأحداث على كل حال.
* «الصابئة» عبارة فضّة وقمعية، وداخل النص جاء توظيفها بقسوة إضافية، فهل أردت من ذلك تأطيرها بهذا النمط الذهني كما هي متوارثة عليه، أم هي محاولة لجعلها عتبة عنوان لإثبات أمور مغايرة لما هو مترسّخ في ذهنية المتلقي؟!
- كان في العنوان إشارة للشخصية الرئيسية في الرواية، وللذنب العظيم الذي تم اقترافه في نظر المجتمع المعني في القصة. وربما وجدت حينها أن اختيار الصفة القادمة من فعل (صبأ) صائباً نوعًا ما، وأتمنى أن يكون كذلك في تقييم القارئ.
* «الصابئة» مرة أخرى، بدا لي كما لو أنكِ تخففتِ من الحوار داخل روايتك هذه حتى بدت الذات الساردة هي التقنية السردية الأبرز في مجمل النص، فهل السرد التذكّري أخفت السرد الحواري وأغفله؟
- ربما وددت لو كان السرد التذكري حاضرًا بشكل أكبر مما كان، لتلذذي بهذا النوع من السرد كقارئة. لكني وجدت بأن الحوار سيخدم البناء والحبكة في بعض المواضع ولذلك كان موجودًا ولا أعتقد بأن الذات الساردة طغت عليه.
* بما أنك كتبتِ عن عالم الفتاة الخفي الذي رشّحتِ له في روايتك البطلة «نجلاء» والتي تكفلت ببطولة متعددة الأحداث.. فهل ستتغير برأيك معادلة النظرة القاسية حولها -كصابئة- لو كان البطل فتىً وأُعطيّ ذات الأحداث بصيغة ذكورية؟
- القضية التي تم تسليط الضوء عليها في الرواية يجد المجتمع بأن مقترفها صابئ سواء كان رجلاً أم امرأة، وإن كان إفك المرأة فيها أعظم آن ذاك.
* برأيك من يتحمّل ما حدث لحياة أبطال روايتك «الصابئة» الذين شكّلهم النسيج الاجتماعي السردي بالصورة القهرية التي طغت على معظم أدوارهم؟ وهل الحقبة الزمنية التي استلهمتِ منها أحداثك وراء ذلك؟!
- لم أختر لأبطالي نهاياتهم، وقد أزعم بأن كل شخصية اختارت مصيرها وفقًا لتركيبتها وبنائها والخارطة المنطقية لتكوينها. ولا شك بأن لكل حقبة زمنية رسالتها الخاصة وقوانينها الكونية التي تركت وصمتها على المجتمع.
* لو حدث وأعدت كتابة «الصابئة» مرة أخرى هل ستغيرين فيها شيئًا؟ وهل تغيّرت رؤيتك حولها قبل الجائزة وبعدها؟
- شرعت في كتابتها قبل ثماني سنوات من الآن، بالفكر والوعي والمخزون الثقافي الخاص بحنان في ذلك الوقت، ولا أتمنى إعادة كتابتها. وإن حدث فسأكتبها بفكري الحالي الذي أعتقد بأن عامل الزمن وغيره قد ساهم في تطويره. سعيدة وقانعة بالصابئة وبما حققته لي وربما جعلتني الجائزة أشعر بالامتنان لنجلاء وبقية الشخصيات في الرواية وكأنما قدموا لي عزاءً لما شعرت به من حزن حين فارقتهم بكتابة كلمة (تمت) في نهاية الرواية.
* معظم نساء وفتيات روايتك قويات وصلبات؛ واجهن أصناف الظروف، فهل يجب أن تكون الكاتبة قوية بنظرك لتكتب أبطال وبطلات أقوياء أم أن الكتابة لا ترتبط «بفسيولوجيا «الكاتب لا من قريب أو بعيد؟!
- هل كن جميعهن قويات فعلاً؟ منظورنا للقوة مختلف، ومؤمنة بأن داخل كل من نحسبه ضعيفًا قوى كامنة وإن اعتقد بأنه لا يملكها. وفيما يخص ارتباط الكاتب أيًا كان جنسه بما يكتب، فأجده طبيعيًا وإن لم يكتب عن نفسه، ستجد شيئًا منه في نصه حتمًا.