فيصل خالد الخديدي
عادة ما يأتي مجال الإبداع في الفنون البصرية بشكل فردي، وقلة من الأعمال الفنية التي تقدم على هيئة مشاريع جماعية، وهو ما أفرز شيء من العزلة والتباعد بين الفنانين سواء في ممارساتهم الفنية أو حتى في تعاملاتهم الإنسانية مقارنة بغيرهم من ممارسي أجناس أخرى من الفنون الجماعية كالمسرح والفنون الموسيقية، وهذه الفردية في التعاطي مع الفنون البصرية قادت البعض من الفنانين إلى طبيعة تبتعد بهم عن طبيعة الفنان المعطاء والمتفاعل مع محيطه والحساس بقضايا مجتمعة والمتعاون مع من هم حوله، فالبعض من الفنانين أصبح ينتهج في تفكيره الفني وتعاملاته الإنسانية ما يعرف بعقلية الندرة والتي أشار إليها ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة بأنها أي عقلية الندرة تلك العقلية التي تؤمن بأن الخير والفرص محدودة ولا بد أن تخسر أنت ليفوز هو، وأن العلاقات أصلها عدم الثقة حتى تثبت العكس، وملكيته للمعلومة وعدم نشرها ومشاركتها مع الآخرين يعني تميزه وبمجرد مشاركة المعلومة يعتبره تهديداً لهذا التميز، والخير لا يتمناه إلا لنفسه دون الآخرين، وأي نجاح للآخرين هو تهديد له ولا بد من انتقاص نجاحات الآخرين ليكون هو الأميز، وعلى العكس والنقيض من هذه النظرة وهذا التفكير يأتي التفكير بعقلية الوفرة التي عرفها ستيفن كوفي بأنها تلك العقلية التي تؤمن بأن هناك عديداً من الفرص والخير التي تكفي للجميع، فالقمة تتسع للجميع عند أصحاب تفكير الوفرة، والكل فائز، والعلاقات مع الآخرين تقوم أصلاً على الثقة حتى تثبت عكس ذلك، والمعرفة والمهارة حق مشاع للجميع، والخير يتمنونه لهم وللآخرين، وكلهم ثقة بأنفسهم ومتفائلين بقادم الأيام وأن القادم أجمل لهم ولغيرهم، ونجاح الآخرين يضيف لهم فرحاً ولا يضايقهم، والتفكير بعقلية الوفرة في وسطنا الفني المحلي أصبح سمة لعدد من الفنانين الناجحين الذين اتسمو بالعطاء والمحبة للخير لأنفسهم ولغيرهم من الفنانين، بل ألقوا بظلال إبداعاتهم على محيطهم وأصبحت معلوماتهم ومهاراتهم حقاً مشاعاً للجميع فلم يقلقهم انتشار تقنياتهم أو تناقل معلوماتهم ومعارفهم بين الفنانين وهو ما زادهم نجاحاً وتفرداً وإصراراً على البحث والتجديد وعدم الركون لما وصلوا إليه من معلومة أو مهارة، على النقيض ممن عاشوا بعقلية الندرة من الفنانين حتى وان سجلوا تميزاً لفترات إلا أنهم عاشوا بقية فتراتهم في عزلة وعدم قبول وانتهى الحال ببعض للتكلس والتوقف على ملوماتهم ومهاراتهم التي اكتنزوها وعاشوا بها نجاحات لفترات مضت ولم يكتب لهم مواصلة المسيرة لانكفائهم على ذواتهم واكتفائهم بما يظنون أنه نجاح، والاعتدال في النظر والتفكير مطلب فتعايش الفنان مع نجاحات الآخرين وفوزهم لا يمنعه لأن يسعى للتميز والتفرد بل يجعله محفزاً لذلك، والعلاقات ليست كلها صالحة ومفيدة ولا بد من فرزها وفق مؤشرات التعامل والحكم على جدوى الاستمرار فيها أو الانسحاب منها دون إساءة ونكران، والبحث الدائم عن المعلومة والمعرفة حق لهم كما هم يقدمون معارفهم وخبراتهم للآخرين، ونجاحاتهم لا تتوقف على انفسهم بل تتجاوز ذلك ليشاركوا الآخرين في صناعة نجاحتهم والمساهمة بحب فيها وهذا النموذج وإن ندر إلا أننا نلمسه في تعاملات بعض من فناني الساحة المحلية الذين اتسموا بالعطاء بلا حدود فحققوا النجاح لهم ولمن حولهم.