سلمان بن محمد العُمري
العطاء الذي يتصدق به المتصدق على الناس هو في الحقيقة صدقة يقوم بها الباذل والمنفق والمتصدق على نفسه ليوم سيكون بأمس الحاجة لحسنة واحدة، والتردد والتراجع عن الإنفاق، ليس بخلاً عن الفقير وإنما هو بخلٌ عن النفس قال تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك، وقال: يمين الله ملأى، سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار)).
والمتأمل في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية يجد فيها آيات وأحاديث كثيرة حثت على الإنفاق في سبيل الخير قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}، وقال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وقال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وكذلك الأحاديث النبوية العديدة ومنها: عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعة الله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، وعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حَر، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يسرَ على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة.
ونحن الآن في شهر كريم، وموسم عظيم من مواسم الخير والبركات إنه شهر رمضان، شهر الخير والبذل والجود والإحسان، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فينبغي أولاً أن يتفقد المسلم الأموال التي عنده ويخرج الزكاة الواجبة عليه، فإنها ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائض الدين، ثم يتصدق بما فاض عنده من المال.
والصدقة على الأَقارب المحتاجين، أَفضل منها على غيرهم، فالصدقة على ذي القربي يكون فيها أجران: أجر الصدقة، وأجر صلة الرحم، فهذا أفضل من الصدقة على البعيد، يقول: الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة.
ويعظم أجر الإنفاق كلما أثبت المنفق أن ما يحبه الله مقدم على ما تحبه نفسه من الأموال، وهو دليل على صدق الإيمان، وبر القلب.
ومن صور البر في الصدقة: إنفاق نفائس الأموال وأحبها للمنفق، والإنفاق في حال حاجة المنفِق، تحري الأوقات الفاضلة كما في هذا الشهر الفضيل، والإنفاق في حال الصحة.
ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثاباً عليه العبد، سواء كان قليلاً أو كثيراً، محبوباً للنفس أم لا قال تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}، حتى لا يتوهم أن إنفاق غير المحبوب لا يقبل؛ بل الله يثيب عليه على حسب نية المنفق ونفعه.
فالله الله في الإنفاق هذه الأيام، أفاض عليكم نعمه على الدوام.