رجاء العتيبي
إذا نظرنا إلى المسلسلات الدرامية المحلية على أنها (بُنى صُغرى)، فإنها هي انعكاس لبُنية كبرى تتمثل في (الظاهرة الدرامية) في السعودية، فالظاهرة الدرامية السائدة في السعودية ظاهرة ضعيفة نسبياً، على مستوى التأسيس الأكاديمي، وعلى مستوى الموهبة إلا ما ندر، وعلى مستوى التراكم الفني، فلا نتوقع من ظاهرة فنية بها بعض الضعف، أن تنتج أعمالاً فنية متميزة، لأن هناك علاقة وطيدة بين الظاهرة الفنية السائدة وبين البُنى الفنية الصغرى التي تنتجها، وهي بُنى ترتبط بعلائق مع بعض لا يمكن فصلها.
علينا أن ندرس الظاهرة السائدة، ويكون ذلك من قبل متخصصين، لوضع إستراتيجيات قصيرة الأجل، وطويلة الأجل، ثم سياسات، ومعايير، وأنظمة استجابة تدعم الأعمال المتميزة، لأن ترك الأعمال المحلية بهذا الشكل، ستكون بيئة سهلة (للدخلاء، والتجار، والمحسوبين على الفن)، فيصبح هم من يصنعون الظاهرة الفنية الكبرى، وهؤلاء قد تجدهم كمنتجين، أو مسؤولين في قنوات فضائية، أو إعلاميين، أو فنانين، بعد كل هذا الضعف المستشري والمستمر لسنوات يتطلب تدخل هيئة استشارية عليا، توجه الظاهرة الدرامية إلى مسارها الصحيح.
لا أعتقد أن الرقيب حلاً، بالعكس وجوده قد يزيد من المشكلة، ولكن الرقيب الفعلي: هو الإعلام، والمشاهد، والمجتمع، وهؤلاء لم يقوموا بدورهم بما فيه الكفاية، مستوى الوعي الفني عند المتلقي، هو الذي سيكون له دور كبير في قبول أو رفض الأعمال، أو النجوم، أو حتى القنوات. اليوم ما زال المعلن، والقناة الناقلة، هما الأقوى حتى هذه اللحظة، وربما يحصل تحول كامل، في حال ارتفع الوعي الفني عند المشاهد، بل رأينا وقبل أشهر كيف ساهم الإعلام والوعي الفني في إيقاف مسلسلات كانت تعرض، وإيقاف مسلسلات كانت على وشك العرض.
الفن قيمة عليا، تؤسس للجمال، وتعيد إدراك العالم، وتحقق التطهير، وتقيم الأخلاق، وليس مشاهد فاسدة، وإيحاءات مستهجنة، وسلوك مخجل، وهذه المشاهد هي من صُنْع (التاجر)، وليس من صنع (الفنان). لأنه يفكر كيف يكسب أكثر من كيف يقدم قيمة فنية عالية. والفن قوة ناعمة بالأعمال المنافسة، والمؤثرة، والمعدة بإتقان، أما الكارتكتر المبتذل فحكاية أخرى.