إنّ محاربة التردد والإحجام عن الحصول على لقاح فيروس «كورونا» باتت أقوى من كوفيد 19 نفسه الذي أودى بحياة 2.7 مليون شخص، وأسفر عن شلل واسع في الاقتصاد حول العالم. ولعل السبب خوف الناس من التردد السياسي في الأنظمة، وإحساسهم بأنهم يتلاعبون بهم وبمصائرهم؛ إذ يتابع العالم ما يجري في أوروبا بصدمة بالغة لعدم توزيع اللقاحات بعدالة، ومعاناة الاتحاد الأوروبي من تلك الفوضى، وأن مزيجًا من عدم الثقة الراسخ بين الحكومات رغم أن عدد مَن تلقوا اللقاح لأواخر الشهر الماضي من بين كل 100 فرد داخل الاتحاد الأوروبي يبلغ 11.8 شخص، ما يأتي في مرتبة متأخرة للغاية عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتين حققتا 34.1 و40.5 على الترتيب (وإن كان ثمة تباين بين الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي).
أما «هونغ كونغ» التي تكافح الآن لتطعيم أكبر عدد ممكن من السكان للمواطنين الذين تزيد أعمارهم على 30 عامًا فقد سارع عشرات الآلاف للحجز، والاختيار ما بين لقاح «سينوفاك» الصيني ولقاح «فايزر».
والأدهى أن 5.5 مليون مواطن مؤهل من تعداد السكان البالغ 7.5 مليون نسمة لم يقدموا على هذه الخطوة التي وصفتها الصين بالبيئة المثالية، لكن وفاة 7 حالات بين أكثر من 160 ألف شخص حصلوا على لقاح «سينوفاك» الصيني أثار حالة من عدم الارتياح. ورغم موافقة الهيئات التنظيمية داخل الاتحاد الأوروبي على أربعة لقاحات فإن الحكومات تجابه صعوبات تطعيم مواطنيها فعليًّا في حين أن تشديد الضغوط على الشركات المصنعة للأدوية جعل من الصعب توفير الإمدادات من اللقاحات، وكأن المشهد برمته قد صار سرياليًّا، فأوقفت أغلب دول الاتحاد الأوروبي استخدام لقاح «استرازينيكا»، ثم استأنفت التطعيم به لمجرد أهواء سياسية.
إنها كارثة عالمية، وهي أيضًا فرصة ذهبية غير مسبوقة في تغيير الآراء والأفكار وإثبات قيمة اللقاحات وأهميتها نظرًا للأضرار الجمة التي لحقت بالصحة العامة. فلا تترددوا، وتلقحوا، ودعوا عنكم نعرات دعاوى التشكيك، فقد كانت هناك دراسة على «فيسبوك» أظهرت أن مجموعة فرعية صغيرة من المستخدمين كانت مسؤولة عن نشر أغلب المحتويات المثيرة للشكوك في اللقاحات.
وهناك تجارب أخرى تلقي بظلالها القاتمة، مثل تجربة توسكيجي للزهري، التي استمرت 40 عامًا، وحرمت الرجال السود في ولاية ألاباما الأمريكية من التشخيص الطبي وتلقي العلاج المناسب.
إن حالة التشكك والقلق قديمة قدم اللقاحات نفسها، وهي تطارد حتى رائد التطعيم إدوارد جينر، وتحوم تلك الحالة المزرية من شوارع العالم الثالث الخلفية البائسة إلى أرقى أحياء العواصم الأوروبية.. بل إنها قائمة طويلة للغاية، فلا تعيروا انتباهكم لضلالات الفكر والأوهام.. فاللقاحات آمنة.