علي الخزيم
قبل قدوم الشهر الكريم ينشط رنين الهواتف المحمولة لاستقبال مئات الرسائل النَّصيَّة وعبر التطبيقات المرسلة من جمعيات خيرية بمدن ومحافظات المملكة؛ تَحُثُّ على بذل الخير للفقراء والمساكين، ففي العشرين من شعبان تبدأ بعض الجمعيات بالاستيقاظ من سباتها ثم تتمطى قليلاً لتبدأ باستنساخ عبارات الاستجداء ورسائل استدرار العواطف ومشاعر روحانية رمضان العظيم، ثم على عَجَل يتم تصميم رسائل أغلبها باهتة لا تؤدي الغرض المطلوب ولا يُجمِّلها وينأى بها عن البؤس سوى آية كريمة أو حديث شريف تحث على العطاء والتراحم، أحد عشر شهراً لم تُسعف تلك الجمعيات الغافية لتبتكر برامج ووسائل لجمع التبرعات الخيرية بطرق حديثة، ومظاهر ترويج جاذبة، ونصوص راقية تلامس الأحاسيس وتوجِّه القلوب الباحثة عن طرق الأعمال الإنسانية الواقعية الصادقة، وتبتعد ولو قليلاً عن التكرار المُمِل والطرح الساذج والظهور المؤقت المهزوز المنبئ عن شعور بتدني المنهج وفشل القائمين على الجمعية للوصول بها إلى مبتغاها والمستوى المرسوم لها حسب إمكاناتها، ولو أوكلوا الأمر للصحف المحلية لكفتهم العناء.
بعد الأسبوع الأول من رمضان تأخذ الرسائل منحىً جديداً لتؤكد لك أن الجمعية تواجه عجزاً بمبلغ كذا لدعم أُسر وأفراد بعدد كذا، هنا استجداء يتجدد، وتضخيم للأرقام لاستعطاف المانحين، وفيه مؤشر يحتاج إلى تأكيد - غَفلتْ عنه الجمعية - يفيد بأن الفقر يضرب أطنابه بيننا دون أن نعي، ودون أن تعرف به الجهات المسئولة، ولا تعرفه إلَّا هذه الجمعية أو تلك ممن يبالغون بطرح أرقام استعطافية دون إدراك لمدلولاتها عند المتابعين والمراقبين داخلياً وخارجياً، ناهيك عن المُتربصين ممن لا يَدَعون فرصة لتشويه صورة مملكة العزم والحزم والإنسانية، ولا أحد ينكر وجود فئات محتاجة وفقيرة بكل بلاد العالم وبنسب متفاوتة، غير أن ما يحدث خلال الشهر الكريم من كثير من الجمعيات الخيرية هو المبالغة بنشر أرقام إحصائية لأسر محتاجة، وذلك (دون وعي أو بوعي مشوب بالتغافل) من بعض القائمين على تلك الجمعيات والله أعلم بالنوايا، ومع الإشادة بالجمعيات العاملة بإخلاص؛ فان التحذير هنا من عواقب سلبيات بعض الإجراءات غير المدروسة، والاندفاع غير المنضبط لاستجلاب تبرعات أهل الخير لا سيما ممن يحرصون على دفع زكاتهم والصدقات بهذه الأوقات الفضيلة طمعاً بمزيد من الثواب.
قبيل انصرام الشهر الكريم تنشط تلك الجمعيات مجدداً بحماس مضاعف للحث على استثمار الوقت القصير الباقي وتحصيل الحسنات بالعشر الأواخر، والتأكيد على أن لديهم مئات من الأُسر ما زالت بحاجة للعطاء من الكرام! فإذا كان هذا ديدن مثل هذه الجمعيات، فأين ذهبت جملة التبرعات المقدمة برمضان وغيره، لماذا لم تُغَطِّ حاجة المحتاجين لها؟! الجواب عندي هو أن خللاً يقع بمنهجية الأداء بتلك الجمعيات، وسوء تنظيم وتدبير يعتريها باستمرار، ويستشري كلما أوكل أمرها لغير المؤهلين مِمَّن يتشبثون بمثل هذه الأعمال اجتهاداً بغير علم، أو بعلم يستند على (والعاملين عليها)، فإذا كان هذا يحدث مع كل مواسم البذل وتسابق الداعمين لأعمال البر والإحسان؛ فربما أن الجمعيات المُتحدِّثة عن العجز تحتاج للمتابعة بإطار الأنظمة واللوائح.