م. خالد إبراهيم الحجي
إن مبادرة «الحزام والطريق» التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 ، تمثِّل الركيزة الأساسية للدبلوماسية الاقتصادية الصينية، هدفها الرسمي هو: تعزيز الازدهار الاقتصادي للدول الواقعة على طريق الحرير الجديد «الحزام والطريق»، وتقوية التعاون الاقتصادي الإقليمي، وتثبيت التفاهم المتبادل بين الحضارات، وزيادة فرص السلام والتنمية في المنطقة. كما تهدف المبادرة إلى تحقيق التشارك في التمويل والاستثمار بين الدول التي تدخل في مبادرة «الحزام والطريق» من خلال بناء وتطوير مجموعة واسعة من مشاريع البنية التحتية الجديدة، لا سيما في مجال الاتصالات والنقل (الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات وخطوط الأنابيب وشبكة الإنترنت وما إلى ذلك) والطاقة.. وعلى الرغم من أن هناك متشائمين من مبادرة «الحزام والطريق» يعتقدون بأن «التفاعل بين الدول المشاركة هي لعبة محصلتها صفر، يكسب فيها الطرف الأقوى على حساب الضعيف» إلا أن الصين تمكنت من خلال مبادرة «الحزام والطريق» الدخول في صفقات سياسية وعسكرية وتجارية مع دول مجتمع الآسيان، ودول أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، ودول منظمة شنغهاي للتعاون (SCO). وأغلقت الصين هذه الدائرة بشراكة إستراتيجية مع زعماء دول إفريقيا الذين رحبوا بالصداقة والتعاون معها، وأدى إلى ظهور الصين كقوة في إفريقيا.. وتختلف اشتراطات التمويل لمشاريع البنية التحتية والاستثمار في مبادرة «الحزام والطريق» بحسب طبيعة الصفقات التي تتم بين الدول المتشاركة، فبعضها يكون فوائدها تجارية وعوائدها اقتصادية، والبعض الآخر فوائدها سياسية وعوائدها جيوإستراتيجية، مثل:
أولاً: الفائدة التجارية الاقتصادية: كما في صفقة تمويل ميناء هامبانتوتا في سريلانكا من خلال قروض صينية، إذ توصلت الدولتان إلى صفقة تقوم فيها الصين بتمويل بناء الميناء، وتقوم سريلانكا ببيع حصة قدرها 80 % من الميناء إلى الصين، وتشغيله من قبل شركة تديرها الدولة الصينية خلال عقد إيجار لمدة 99 عاماً، بينما تحتفظ سريلانكا بالسيطرة على أمن الميناء.
ثانياً: الفائدة الجيوإستراتيجية: كما في مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني؛ وهو مشروع اقتصادي مشحون سياسيًا، يهدف إلى تعزيز الاقتصاد الباكستاني من خلال إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، تشمل مقاطعة بلوشستان وجيلجيت بالتستان؛ وهذا الممر عبارة عن طريق بري يقع معظمه في أراضي باكستان؛ ويبدأ من مدينة شينجيانغ في الصين وينتهي في ميناء جوادر المطل على بحر العرب في الجنوب الغربي من باكستان. وهو ضمن مجموعة من مشاريع البنية التحتية المخطط لها، تقدَّر قيمتها بنحو 54 مليار دولار، ويعد أكبر مشروع تحت شعار «الحزام والطريق» تم تمويله بمعدل فائدة 1.6 % بالإضافة إلى توسعة وتشغيل ميناء جوادر من قبل الصين لمدة 54 عاماً تنتهي في عام 2059، وللمقارنة؛ فإن قروض مشاريع البنية التحتية التي يمولها البنك الدولي تحمل سعر فائدة تتراوح بين 5 % و8 %، بينما أسعار الفائدة من المصارف التجارية على تمويل مشاريع البنية التحتية تقترب من 12 %.. وقد بدأ بالفعل نقل البضائع الصينية براً على هذا الطريق إلى ميناء جوادر على خليج عُمان، ومنه يتم التصدير إلى موانئ الشرق الأوسط.. ومن المتوقع أن تحقق باكستان مكاسب تنموية بسبب ترقية البنية التحتية، وإدخال إمدادات الطاقة الموثوقة عبر ميناء جوادر.. ويُعد أمن الطاقة مصدر قلق رئيسياً للصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث إن ما يقرب من 80 % من وارداتها من الطاقة تأتي من الشرق الأوسط، ويتم نقلها إلى الصين عبر خطوط الملاحة البحرية التي تمر من خلال مضيق ملقا الذي يخضع، في كثير من الأحيان، لمراقبة وحراسة البحرية الأمريكية.. والفائدة الجيوإستراتيجية للصين هي ربطها بخليج عُمان عبر ميناء جوادر في باكستان، ليكون طريق نقل النفط من الشرق الأوسط بديلاً عن النقل البحري عبر مضيق ملقا.. وقد زعمت مجلة فوربس الأمريكية في عددها الصادر في 8 يناير 2017 «أن الممر الاقتصادي بين باكستان والصين هو جزء من رؤية الصين لكتابة قواعد الحقبة التالية من العولمة، ومساعدة محركاتها التصديرية والاستثمارية على العمل لسنوات قادمة».. ومما لا شك فيه، أن الصين رائدة عالمياً في مجال التصنيع، ومورداً رئيسياً للسوق العالمية، وهي بحاجة مستمرة إلى المواد الخام مثل القطن، والأخشاب، والنحاس، والركاز لدعم نموها الاقتصادي المزدهر. وبالمقارنة، فإن إفريقيا غنية بالموارد الطبيعية، ولديها ما يكفي من القوى العاملة فيسن العمل لدفع الاقتصاد، ولكن الاقتصاد الإفريقي لا يزال متخلفاً بشدة نتيجة ضعف البنية التحتية التي تعمل كعقبة رئيسية أمام التنمية الاقتصادية.. وبسبب المتطلبات النهمة للبنية التحتية الإضافية والمحدَّثة، تعتمد إفريقيا على التمويل الخارجي؛ على وجه التحديد 83 مليار دولار، منها 21 مليار دولار جاءت من الصين وحدها في عام 2015. وفي المقابل مُنحت الصين إمكانية استخراج المصادر الطبيعية، دون ترك أي فوائد للسكان المحليين. ودون تقديم مساعدة هيكلية حقيقية؛ لأن أعمال البنية التحتية التي تمولها الصناديق الصينية عادة ما تكون مفتوحة فقط للشركات الصينية، وبالتالي القوة العاملة الصينية. هناك ما يقدَّر بمليون صيني يعيشون ويعملون في إفريقيا، مما يؤثّر سلبًا على التوظيف وتنمية القوى العاملة غير الماهرة في إفريقيا..
الخلاصة:
إن قروض التمويل الصينية لمشاريع البنية التحتية في الدول النامية، تثير تساؤلات حول ما إذا كانت مثل هذه المشاريع يمكن أن تدرَّ أموالاً كافية لسداد ديونها للصين..