أثناء دراستي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتقريبًا في بداياتي بها كانت لدي مادة وكان مُحاضرها الذي لن أنساه ما حييت هو الدكتور عبدالرحمن بن صالح القحطاني، فكنت مُعجباً في محاضرته بسبب أسلوبه في الشرح والنُصح وكان ذا أخلاق عالية جدًا وهذا ما كنت مُعجب به كثيرًا، وكانت محاضراته لا تخلو من ذِكر القراءة وأهمِّيتها وكان يردد دائمًا «اقرَؤوا» وكنت في ذلك الحين لا أقرأ ولا أستوعِب وأفهم أهمية القراءة وكنت أحيانًا أستغرب من شدّة حرصه على القراءة وترديدها على لسانه دائمًا، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي قال فيه نصيحة غيَّرت بي الكثير والتي لم ولن أنساها أبدًا، قال:
«لدى كل منكم الآن وفي هذا الوقت جامعة ومكتبة ومن أفضل الجامعات على وجه الأرض ممَّا جعلنا نفكر ماذا يقصد بـ»لدى» كل منكم الآن وفي هذا الوقت جامعة ومكتبة، وكررها مرةً أخرى وزاد عليها، وقال: وأنتم تستخدمونه طوال الوقت ولكن للأسف ليس بالاستخدام الصحيح، الجامعة التي معكم الآن هي «الجوال»، ولأنه يُعتبر سلاحاً ذا حدين فأنتم للأسف لم تستخدموه بالشكل الصحيح، الكل منكم بإمكانه أن يتعلَّم به في أي وقت وفي أي مكان، استبدلوا برامج اللعب واللهو ببرامج أكثر فائدة وارتقوا بأنفسكم».
بعد ذلك منذ أن خرجت من محاضرته وإلى الآن وأنا أُجاهد على أن أستفيد من هذه النصيحة التي لها أثر كبير جدًّا علَيّ، ورغم طول مدة السنين بعد هذه النصيحة لم أنْسَها في يوم وعمَلْت بها.
ودارت الأيام وتقدّمت في الجامعة وكان لدي مقرّر تاريخ المملكة العربية السعودية، وفي أول حضور لي في هذا المقرّر وكان مُحاضِرها هو الدكتور خالد بن علي النجمي الذي لا يسعني شكره أبداً فهذا الدكتور الآخر الذي لن أنساه أبدًا ولن أنسى محاضراته فهو فعلاً الرجل المناسب في المكان المناسب، كنت معجب جداً بهذا الرجل، كان يشرح المقرّر ولكن يأخذ عقلك ويضعه في داخل المشاهد التي يشرحها، أحببت المقرّر بقوة من هذا الدكتور وكان أيضًا حريصاً جدًا على قراءة التاريخ ودائماً يكرر عن أهمية قراءة التاريخ ونتعلّم ونعرف منه «ماذا كنّا وماذا أصبحنا»، وفي تلك المحاضرة كلّفنا بأن نعمل بحث ميداني ونذهب إلى دارة الملك عبدالعزيز وقصر المصمك ونكتب ماذا رأينا ونصوّر التراث، وهذا ما حصل ذهبت إلى الدارة وإلى قصر المصمك وكانت ثاني زيارة لي، الأولى كانت مجرد نزهة وأمّا الثانية فكانت تكليف لمقرّر ولكن الزيارة الثانية كانت أمتع جداً من الأولى لأني درست المقرّر وفهمته بفضل الله ومن ثم هذا المعلِّم لأني أثناء زيارتي الثانية كنت أمشي وكأنني أرى المشاهد التي حدثت، وكل شيء أراه لا أمُرُّ به مرور الكرام، بل كنت أقف وأشاهد تاريخي وتاريخ دولتي وعرفت يقينًا «ماذا كنا وماذا أصبحنا»، وكان الدكتور خالد النجمي السبب الثاني الذي أطلق شرارة القراءة لدي وأصبحت من ذلك الحين أقرأ كتب التاريخ وأبحث وأحرص على قراءة التاريخ جيِّدًا، إلى أن أحببت القراءة كليًّا.
ولا أنسى معلِّمي الأستاذ عبدالرحمن الهزَّاع رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون سابقًا، فقد تعلّمت منه الخُلُق العالي والتواضع وحُسن المعاملة، إضافةً إلى خبراته السابقة فقد كان حريصًا على إلقائها لكي نستفيد بشكل أقوى وأكثر، وأعتقد بأنَّ الأغلب خرج من محاضراته مستفيدًا من مشوار خبرات الأستاذ التي مرَّ بها. أنْ تخْرُج من مادة مستفيد منها ومن محاضِرُها فاعلَم بأنَّك قد نجحْت ليس في المادة فقط وإنَّما في رحاب الحياة.
فعلًا «كاد المعلِّم أن يكون رسولا»، فيجب على جميع المُعلِّمين أن يحرصوا أشدَّ الحرص على نصيحة تلاميذهم بما ينفعهم ويرتفع بهم، كلمات قد تصل لقلب وعقل أحدٍ منهم فتغيِّرُه إلى الأفضل وإلى الأبد.
أشكر جميع أساتذتي وجزاكم الله خير الجزاء ولكم مني أطيب التحيّات والدعوات في ظهْرِ الغيب.