خلال مرحلة دراستي للثانوية «في التخصص العلمي» ومن ثم البكالوريوس في كلية العلوم الطبية التطبيقية كانت دراستي تصب وترتكز على المواد العلمية، مثل الفيزياء والكيمياء الحيوية والرياضيات، ومن ثم المواد التخصصية التي كان جل اهتمامي ينصب عليها لأتخرج بمعدل عالٍ وعلى قدر عالٍ من المعلومات والخبرات التي تؤهلني لسوق العمل. وما أن تخرجت من البكالوريوس إلا وقد قادني حماسي لأكمل الماجستير في التخصص نفسه، وخلال السنة الأولى من الدراسة طلب مني مشرفي الدراسي أن أختار مادة خارج تخصصي في الكلية التي أريدها أو اختارها. وما بين عدد كبير من الكليات قمت باختيار «علم النفس» لا تفاجأ بالمعلومات المهولة عن هذا التخصص فيما يتعلق وارتباطه بالتخصص الذي أدرسه مع العلم أنه لم يتم تسليط الضوء عليه خلال دراستي في مرحلة البكالريوس. قمت وقتها بالتفكير لماذا لا يتم إتاحة الفرصة لطلاب الثانوية العامة والجامعات السعودية حرية اختيار مواد «اختيارية» تكون ما بين المواد العلمية والأدبية؟ لماذا لا يستطيع الطالب التخرج من البكالوريوس في أحد التخصصات الصحية وتخصص التسويق؟
من فوائد إتاحة التخصصات المزدوجة Double Major هناك عدد من الفوائد في المرحلة الجامعية، ومن أهمها: إتاحة الفرصة لطلاب التخصصات الأدبية الأساليب السليمة لاختبار الفرضيات، تلخيص وتفسير واستخلاص النتائج الصحيحة من البيانات، ولطلاب التخصصات العلمية تطوير الحجج وفهم وتحريك وإقناع الجمهور.
على سبيل المثال لا الحصر، نلاحظ أن عددًا من خريجي الصيدلة وهندسة الأجهزة الطبية يعملون كممثلين لشركات الأدوية والأجهزة الطبية مما يتطلب عملهم إقناع واستخدام مهارات التسويق لمديري المستشفيات والأعمال بشراء منتجاتهم عوضاً عن الشركات المنافسة. وهذا الأمر يتطلب أن يكون لدى الخريج أو الموظف مهارات معرفية بالمنتج ومهارات تسويقية، في حين أنه خلال مرحلتي دراسته لم يدرسها أو يطلع عليها بالشكل الكافي! هذه المهارات لا يمكن فقط بتطوير المهارات الفردية للطلاب أو الخريجين، إنما يكون لها أهمية لدى أصحاب العمل مما يوفر الفرص الوظيفية للطلاب والخريجين بشكل أسرع من غيرهم. لذلك نجد أن التدرج الوظيفي لدى الأشخاص ذوي التخصصات المزدوجة يميل إلى النمط الإداري المعتمد على الخبرات والتجارب الناتجة من الدمج بين التخصصات عن النمط التربوي. كذلك يُمّكن هذا النمط أصحاب التخصصات المزدوجة النادرة التي تم تصميمها بطريقة تربوية أن يطلقوا العنان لإمكانات المناهج الدراسية المدمجة. في مثل هذه الحالات، يمكن لخريجي التخصصات الأدبية أيضًا تطوير أساليب البحث بشكل إبداعي، أو تفسير أنظمة المعلومات بشكل أخلاقي، أو إقناع غير الخبراء بتغيير سلوكهم بناءً على نقاش مستنير علميًا.
لذلك نجد أن الجامعات الأسترالية والأمريكية توفر شهادات في التخصصات المزدوجة شريطة أن يحصل الطالب على معدل لا يقل عن 3 من 4، وخطاب موافقة من القسم، وأن لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على حصيلته العلمية في حين أن المشرف الدراسي يحدد أوقاتًا مخصصة للطالب لمناقشة مسيرته الدراسية وتحصيله العلمي وتوجيه الإرشاد والنصح له، بل إنه يحث الطالب على اكتساب العديد من المهارات والتي لا تنحصر في القاعات الدراسية. والجدير بالذكر أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الأمير محمد بن فهد بدأتا باستخدام هذا التطبيق، ونطمح أن تقوم الجامعات السعودية الحكومية الأخرى بتوفير هذه البرامج لكل الراغبين ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير القبول.
** **
- المدير التنفيذي لجمعية «شارك» للأبحاث الصحية