ما الذي يدفع الكثير إلى الاستهلاك بشراهة؟!
هل لأن البشر بطبعهم لا يقنعون بما لديهم كما أكد أرسطو أن جشع الإنسان لا يرتوي؟ أم أن السبب يرجع إلى أن الأحفاد أغنى من الأجداد؟ والإجابة عن كل من السؤالين بنعم لا يجب أن تجعلنا نغفل حقيقة عن وجود قوى أخرى دافعة إلى تنشيط الرغبة في الاستهلاك بصورة غير مسبوقة.
لقد تضاءلت قيمة الفضائل مثل: الاستقامة، والإتقان، وتراجعت كمعيار للمكانة الاجتماعية؛ ليحل محلها جميعًا مؤشر واحد، يحترمه الجميع هو المال.
وللأسف، فقد أثبتت استقصاءات عدة أن الاتجاه الاستهلاكي غير قادر على إشباع كل حاجات الإنسان؛ فالسعادة مثلاً: تأتي مرتبطة بعوامل أخرى، أبرزها الحياة الأسرية المستقرة، والنجاح في العمل، وراحة البال، والصحة الجيدة والصداقة، فإذا غابت هذه العوامل لجأ الإنسان إلى الاستهلاك؛ ليضفي على نفسه أحساسًا بالتميز والقدرة.
شهد العالم طفرة هائلة في التقدم التقني، وارتفاع الدخل الفردي، ورخص المواد الخام، وانخفاض أسعار المنتجات، وأدى ذلك إلى ارتفاع مذهل في مستوى الاستهلاك تؤكده الإحصائيات.
فمنذ عام 1950م استهلك سكان العالم من السلع والخدمات ما يعادل ما استخدمه البشر منذ فجر التاريخ الإنساني. وقد وصلت عدوى الاستهلاك إلى بعض المجتمعات الفقيرة.
وإذا افترضنا أن تعداد المستهلكين المسرفين بليون واحد من سكان العالم فإن ذلك يمثل عبئًا شديدًا على الأرض، فبين هؤلاء البليون مستهلك مسرف يوجد خمس تعداد البشر الأغنى، ويسيطر هذا الخمس الأغنى على 99 % من الرؤوس النووية الحربية. إن إسراف هؤلاء المستهلكين من سكان الأرض في مادة طبيعية مثل (الخشب) يتضمن حفزًا إلى اقتطاع مزيد من أشجار الغابات.
وحسب إحصاءات البنك الدولي تبيّن أن ثمة 400 مليون إنسان يأكلون طعامًا غير صحي، وثمة تعقيدات بيئية غير ظاهرة مرتبطة برفاهية الغذاء في العالم المتقدم؛ إذ ينتقل الكثير من أنواع الطعام المتميز على حساب الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري. وثمة بليون إنسان معدم يعيشون خارج المدن، ويعتمدون في حياتهم على الخامات المحلية في بيئاتهم الفقيرة، فلا يزيد استهلاكهم اليومي عن نصف كيلوجرام من الحبوب، وكيلوجرام من خشب الوقود.
هكذا يجري الاستهلاك في عالمنا، ويجر وراءه الأمراض التي تصيب البيئة وأجسام المستهلكين أنفسهم. ونحن لا ندين كل مجتمعات الوفرة، أو بمعنى آخر أفرادها؛ فثمة من يملكون القدرة على الاختيار المناسب من أجل حياة بسيطة خالية من المتاعب الصحية والبيئية، وإن كانوا يمثلون القلة.