أ.د.عثمان بن صالح العامر
أذكر أنني كنت في أواخر شهر الله المحرم عام 1419هـ بمعية جمع من المثقفين والكتّاب، يتقدمهم رؤساء الأندية الأدبية وأعضاء مجالسها، في ضيافة صاحب سمو ملكي أمير إحدى مناطقنا الثلاث عشرة، وكان الحديث حينها حديثاً موسعاً حول دور المثقف المجتمعي وعلاقته بالسلطة واستشرافه الرؤية الوطنية المستقبلية. ساقنا الحديث هذا إلى موضوع (الرؤية الواضحة لما سيكون عليه مستقبلنا بناء على ما هو حال مسيرتنا التنموية الحالية) فعلق رمز من رموز ثقافتنا الوطنية بأن المملكة - بحمد الله - تنعم برؤية واضحة متجددة يحدد معالمها ويرسم مستقبلها (الخطط الخمسية) المتتابعة التي تعد بعناية تامة من قِبل خبراء مختصين، وتلقى الاهتمام والمتابعة من قِبل ولاة الأمر - حفظهم الله -.
طلب صاحب السمو من مدير مكتبه نسخة من الخطة الخمسية، والتفت إلى رمزنا الثقافي هذا، وقال له بالحرف الواحد وهو يمد له سفر الخطة محل الحديث (يله طلع لي أين هي الرؤية، حدد لي ما خصص لمنطقتي...). سيل من الأسئلة لم يكن لها ثمة جواب.
تمضي السنوات تلو السنين، وتتصارم الليالي والأيام، ويأتي عهد العزم والحزم ليعلن مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عن هدفه الأول (أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك). وينبري صاحب الهمة العالية والعزيمة المتقدة والنظرة الثاقبة والبصيرة النيرة والكاريزما القيادية الفذة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين ليقول للعالم أجمع هذا هو هدفنا الذي جميعنا في هذا الوطن المعطاء قيادة وشعبًا نعمل على تحقيقه في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، و(دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة)؛ لذا كان باكورة أعمال سمو ولي العهد - رعاه الله - ميلاد رؤية المملكة 2030، التي هي بمنزلة خارطة طريق لمستقبلنا الريادي العالمي الذي يسر الأصدقاء وجزماً يغيظ وينغص ويكدر ويحير الأعداء ومن على شاكلتهم ممن يتمنون أن نبقى في الصف الأخير مجرد مصدرين للنفط، وفي الوقت نفسه مجتمع ريعي استهلاكي لما ينتجه الآخر بامتياز.
حدد - وفقه الله - في مطلع هذه الرؤية مكامن القوة التي نراهن عليها في المملكة العربية السعودية، سواء أكانت دينية أو جغرافية أو تاريخية حضارية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، فهي كما نصت على ذلك وثيقة الرؤية 2030 (أرض الحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، مما يجعلها قلب العالمين العربي والإسلامي)، وإنسانها قوي متماسك، يقف صفاً واحداً متراص اللبنات خلف قيادته التي يحبها ويدين لها بالطاعة والولاء ديانة ووطنية، وفاء وإخلاصاً؛ لذا قال عنه سمو سيدي ولي العهد الأمين: (أنا أعيش بين شعب جبار وعظيم، فقط يضعون هدفاً ويحققونه بكل سهولة. لا أعتقد يوجد أي تحديات أمام الشعب السعودي العظيم).
نعم.. رهان سمو ولي العهد على إنسان الوطن وكسب الرهان، فها هي خمسة أعوام حققت فيها بلادنا العزيزة - ولله الحمد والمنة - قفزات نوعية ونهضة تنموية مشهودة شاملة ومتكاملة رغم كل الظروف والجوائح والأحداث التي لم تكن في الحسبان. ساهمت هذه المنجزات في دعم مختلف القطاعات التنموية، ونهضت بنا نحو أفق السماء الذي هو حد طموحنا ومنتهى إنجازنا، ولم يكن لهذا كله أن يتحقق لولا توفيق الله أولاً ثم الرؤية الواعية الواعدة والعمل المتقن والمتابعة الدائمة والدعم اللامحدود مادياً ومعنوياً من لدن قيادتنا الحكمية العظيمة.
وإنني في هذا المقام أرفع لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولمقام سيدي ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - التهنئة القلبية على ما أنجز من مبادرات ومشاريع نوعية بامتياز جعلتنا نسابق الزمن وصولاً لمصاف دول العالم الأول، وننعت بالمملكة العظمى وفي زمن قصير جداً قياساً بعمر الحضارات والنهضات التنموية. ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.