رمضان جريدي العنزي
الرياض جميلة دائماً وزاهية، لها شموخ وتاريخ وعنفوان، وهي من أهم العواصم العالمية، مدينة لها طابعها الخاص، تأسر العقل والقلب وتستوطن الجسد، محملة بعبق التاريخ، وموسومة ببصمة الحضارة الحديثة، هي داري وعنواني، طفولتي وصباي وشبابي، هي عطري الذي لا أستغني عنه، ومخدعي ومنامي، الذي يسكن الرياض منذ القدم ويعرف حواريها وأزقتها ودروبها وشوارعها وبيوتها الطينية وتفاصيل العيش فيها، يعرف كيف هو وقع في حبها وودها والشوق لها، بالنسبة لي هي هدية العمر، وهي أجمل مدينة عندي، ورائحتها عندي تشبه المسك والعنبر والبخور الثمين، العلاقة بيني وبينها مميزة وخالدة، أسلمها دائماً نثري وقصائدي وأطارحها غرامي وشوقي، هي الرياض تنام عندي دائماً في مخدعي وفي عيني، أستحضر دائماً تاريخها ومجدها، أرسمها مطلع قصيدة، وأنثرها لغة ذات مفردة مغايرة، وأعيش تفاصيل ماضيها مكاناً ووقتاً، هي عندي دالية عنب، وفاكهة تفاح، ودم يسري في الجسد، علاقتي معها تتغلغل بعيداً حتى تصل إلى عمق اللغة الخاصة، أنا مغرم بها حد الدهشة، جميلة هي في نظري أكثر من غيرها، تبهرني حتى أنها تدخل قلبي بلا تأشيرة ولا استئذان، تسكنني وأسكنها، حتى صحراءها تعيدني لقافية الحلم، وتزيح عن روحي الصدأ، تمنحني البهجة، وتطرق أبواب قلبي الموصدة بلا موعد مسبق، لكن وجه هذه الحسناء شوهوه بالحفر الدائمة، يحفرون ثم يدفنون، يدفنون ثم يحفرون، وأدوا حسنها، وشكلوا فيه الندوب والتجعدات الكثيرة والكبيرة والكثيفة، حتى صار وجهها الجميل عنواناً للحفر السيء، والردم السيء، ليتهم لا يحفرون، وليتهم لا يدفنون، لقد حولوا شوارع الحسناء وممراتها إلى خراب، وأصابوا جسدها الأنيق بالوجع والانكسار، إنني أتساءل إلى متى هذا العبث الطويل في وجه الحسناء، ما أن تكحل عيونها حتى يصيبوها بالرمد، وما أن تمشط شعرها وتسرحه حتى يثيروا عليها الأتربة، وما أن تتعطر حتى يكسروا قارورة عطرها، وما أن تتزين وتأخذ زهوها وبريقها حتى يجردوها من أناقتها، أما آن لهذه الحسناء أن تستريح من عذابات الحفر والدفن، وأن تفيق من ليلها الطويل، ومن أصوات الدقاقات والمداحل، ومن هذا المسلسل المكسيكي الطويل الذي لا نهاية له ولا خلاص، الذي غير شكل الشارع، وشكل الأرض، وشكل الممر، وشكل الرصيف. إنني أطالب بأن تعود لنا هذه الحسناء مرتبة أنيقة زاهية وجميلة تلفت الانتباه وتسر النظر، حتى ترتاح هي، ونحن أيضاً نستريح.