الهادي التليلي
التنوُّع في المنتوج السياحي لا يعني فقط تعدد المحاور المقدمة للعميل في مجال الإيواء الفندقي ومسارات القطاع بل إنها أكثر من ذلك بكثير إنها الفكر والإبداع الخلاق الذي يسمح للوجهة السياحية بأن تواكب آخر المستجدات وتتكيف مع المتغيرات من معطيات الواقع، وذلك يكون أولاً بتوفر الإرادة الصادقة في تجويد المادة المقدمة؛ لأن التنويع خارج مدار الجودة يتحول إلى بيئة منفرة؛ فالفكر السياحي المتجدد هو فكر إبداعي بالأساس، يستند إلى معطيات الرفاهية والقيمة المضافة. وثانيًا بتأهيل منظومة خدمية راقية ومتطورة، تشمل في جزء منها الثروة البشرية المؤهلة بشكل يجعل من الوجهة السياحية نقطة جذب. فالأشياء وحدها لا تصنع سياحة وإنما بتثوير معناها الجمالي من خلال رأسمال بشري يكون هو المسوق الحقيقي بدءًا بالابتسامة لحظة الاستقبال وصولاً إلى تحية المغادرة. فثقافة البلد المنعكسة على سلوك اليد العاملة المشتغلة في المجال تعد مكونًا أساسيًّا في نحت سياحة حقيقية ودائمة وحتى السياحة الذكية التي يسعى العالم المعاصر لترسيخها بجعل كل تفاصيل الخدمة الفندقية بالسمارت فون فلا «تشك إن» و»لا تشك أوت» وحتى خدمة الغرف عن طريق روبوت إلى غير ذلك لا يمكن أن تنجح وجهة سياحية؛ لأن السياحة هي الناس والثقافة المحلية والعادات والتقاليد التي نراها أحيانًا بسيطة ولكنها سياحيًا تعني الكثير فهي التربة التي يبقى أثرها في ذاكرة السائح إذ السياحة بأنماطها وتفاصيلها من السياحة الترويحية إلى السياحة الثقافية إلى سياحة الأعمال والمعارض وصولاً إلى السياحة البيئية كلها محكومة بتوافر رأسمال بشري نوعي.
تنوع المنتوج السياحي الذي أصبح يركز أكثر على مجالات البيئة عبر ترسيخ نمط المسارات السياحية لا بد أن يشمل كل مفردات النسيج السياحي الذي لا تنتهي تفاصيله التي تشمل الإنسان والبنية الأساسية والتجهيزات والتنشيط حتى لا يصبح في خانة الاقتصادات الهشة التي تتأثر بأي طارئ فالبيئة السياحية الناجحة هي ذلك البيت الآخر الذي ينتظر العميل بفارغ الصبر لحظة العودة إليه وأحيانًا منذ لحظة المغادرة السابقة.
السياحة هذا القطاع الاستراتيجي الذي تتقاطع فيه كل خيوط التنمية تعتبره المجتمعات المتقدمة قطاعًا مركزيًا في اقتصاداتها وبناء صورتها الذهنية. هذه السياحة التي يسهم فيها كل مواطن مبدعًا كان بمدن سينمائية مثلاً وأماكن تصوير ناجحة وحتى بابتسامة العابر العادي أمام الوفود السياحية هذه الابتسامة التي تعطي أمنًا وسكينة واطمئنانًا لدى السائح مرورًا بسيارة الأجرة أول مسوق للبلد وسياحته والدليل السياحي دون نسيان الرأسمال البشري للوجهة السياحية المنخرط في هذا المجال.
هنا تبرز للجميع الجهود المبذولة من وزارة السياحة السعودية التي سعت إلى توفير خارطة سياحية متنوعة الجوانب، تشمل إنجاح وتفعيل الجهود الوطنية في السياحة الدينية عبر الحج والعمرة مرورًا بالسياحة الثقافية التي تجسدها الجهود في تحول الدرعية والعلا وغيرها إلى عواصم كونية في مجال السياحة الثقافية. ولا ننسى طبعًا المدينة السياحية البيئية التي ينتظرها كل العالم، ونعني مدينة نيوم وما تحويه من تفاصيل، يعد مسار ذا لاين أعجوبتها السياحية التي ستبهر العالم والتاريخ، كما أن السعودية الخضراء ستحول وجه المملكة من بساط صحراوي إلى نسيج أخضر يغير المحيط ويسهم في ديمومة الحياة الحضرية.. ولا ننسى السياحة الترفيهية التي تترجمها الجهود الجبارة للهيئة العامة للترفيه التي نشرت البهجة في كل الأرجاء.
المملكة التي من خلال وزارة سياحتها أطلقت مبادرة مستقبلك سياحي التي تسهم في بناء رأسمال بشري في مجال السياحة بطاقة تشغيلية تستوعب 100 ألف موظف سعودي بنهاية 2021 وبذلك تسهم السياحة في الجهود الوطنية. هذه السياحة التي استفادت من التشريعات والقوانين المحفزة لبناء منظومة سياحية منافسة وجاذبة، السياحة السعودية التي ستدخل عصر ما بعد الحداثة السياحية بتأسيس نيوم بكل تفاصيلها خاصة ذا لاين تستعد بتشريعات وحوافز وصناديق محفزة وذلك من خلال عمل استراتيجي منطلقه المسح الذي شمل مختلف وحدات الإيواء الفندقي سنة 2019 لتفتح للعالم وجهة متنوعة التفاصيل من خلال توجه المملكة وقيادتها. ولا أدل على ذلك من عدم ممانعة مجلس الوزراء في إحداث مبادرة «المجتمع السياحي»؛ إذ تم تفويض وزير السياحة للتنسيق مع وزارة المالية قصد تأسيس صندوق استئماني للغرض حتى يتم التفاوض مع البنك الدولي ومنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة لتفعيل المبادرة التي ستتيح منتوجًا آخر يُضاف إلى ما تقدم.