سلمان بن محمد العُمري
استمعتُ إلى قصة يسيرة لكن فيها عِبرة بل عِبَرٌ كثيرة وكبيرة، ملخصها أن رجلاً بحث في أوراق والده المتوفى، فوجد فيها أن أباه مديناً لأحد أصدقائه بمبلغ يقارب الثلاثمائة ألف ريال، وبادر الابن البار إلى الاتصال بالدائن وهو صديق لوالده، فأكد هذا الدَّيْن المستحق له، فما كان من الابن سوى سؤال الرجل مرة أخرى، ولماذا لم تخبرنا عن هذا الدين بعد وفاة الوالد، ولم تُطالب به ؟! فأجابه قائلاً: « ما شكوتُ والدكم حياً، فكيف أشكوه ميتاً»!!.
ما أجملها من عبارات لطفاً ووفاء، وما أجمل قبلها عمل الابن وسعيه لإبراء ذمة والده، فلكلٍّ منهما موقفٌ يستحق الذكر والشكر والثناء والتقدير، الولد على برِّه ووفائه لوالده، والصديق المخلص الذي لم يكدر صاحبه حياً، ولا يرغب في تكدير أبنائه ومضايقتهم.. لقد سدد الابن دَين والده، وهذا العمل ليس بكثير، فمهما قدم الإنسان لوالديه في حياتهما وبعد مماتهما لا يفي بحقوقهما، وأمثال هذا الموقف كثيرة.
ولا يخلو مجتمعنا -ولله الحمد- من الخير أبداً، فقد روى أحد الأصدقاء أيضاً قصة مشابهة عن أحد أعمامه يقول فيها: إن جدهم كبر سنه ومرض في آخر حياته، وأحس بدنو أجله، وكان تاجراً يبيع على الناس بالمقايضة وبالأجل ويسجل ما له وما عليه من ديون، وطلب أحد أبنائه -رحمهم الله جميعاً- وقال له: هذا سجل بما على الناس من ديون وفيهم الغني والفقير، وقد عفوت عن جميع المدينين غنيهم وفقيرهم فلا تطلبوا من أحد شيئاً، وقد كان ابنه ذا صلاح وتقوى فلم يعارض والده في خطوته وعزمه على الرغم من أن هذا الدَّيْن سيكون إرثاً لهم والدين له قيمة عالية آنذاك، بل شجَّع والده، وقال له: سيضاعف الله لك بهذا الأجر عشرة أضعاف وزيادة، وتم تأكيد العفو عن الجميع، وهذا الولد المبارك الذي يعين والده على المعروف، وهو لا يقل حالاً وأجراً عن الابن البار الذي سدد دين والده وقضاه عنه.
هذا الموقف وما سبقه في القصة الأولى يطرح التفاؤل بعد أن رأينا وسمعنا عن قصص سلبية لأبناء طالبوا بالحجر على آبائهم حينما أرادوا أن يعملوا أعمالاً خيرية في آخر حياتهم، أو أنهم أرادوا تخصيص بعض أملاكهم أوقافاً، والبعض الآخر أخفى وصية والده ولم يعمل بها هو وبقية الورثة، ولم ينفذوا وصية والدهم، وآخرون تقاسموا إرثهم في المحاكم وفي شرط التنفيذ -والعياذ بالله-، ويتنازعون ويحصل بينهم صراع وخصومة نسأل الله العافية.
وفي الختام لعله من الأهمية بمكان أن يحرص الإنسان على أن يسجل ما له وما عليه من ديون وحقوق للناس، وما يريد تنفيذه من أعمال الخير حتى لا يقع الإشكال بين الورثة وبين الخصوم.