د. حسن بن فهد الهويمل
هذا شطر بيت سيق شاهد (ترخيم)،فالمنادى (حارث) مجرد تنبيه.
يجول الشطر في خاطري، كلما رأيت اعتداءً جائراً على بريء، سواء صدر من دولة لا تقيم وزناً للأنفس، والحرث، والممتلكات، أو من جماعات متعصبة لضلالاتها، أو من أفراد سوء، نسوا ما ذُكّروا به، وسواء وقع على جمع من الناس، أو على أفراد منهم.
وما أكثر الشِّداد، الغلاظ الذين لا يخافون، ولا يرحمون، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون. زمن وافق فيه شَنٌّ طبقا، فاستوى الماء على أمر قد قُدِر.
لقد تمخض زماننا الموبوء عن ظَلمة يناسبون عطاءه، يبررون لأنفسهم الفساد في الأرض، ويزعمون أنهم مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون.
هذا الصنف جاء على قدر، ليواكب الزمن الرديء، وينفّذ ما يناسب رداءته. أود التنبيه إلى أن الزمن، والدنيا يختلفان عن الدهر، المنهي عن سَبِّه.
دول استقامت بذاتها، وأقامت من حولها، وهيأت الأجواء الملائمة للعيش الكريم لشعوبها، علَّمت، واستعلمت، واتبعت أحسن ما سمعت، وأخذت بأحسن ما رأت، ونفّذت أحسن ما تصورت، وبدت مثلاً للتحدي، والتعرية لمن غلبت عليهم شقوتهم، وألهاهم الأمل الكاذب.
هذه الدول الجديرة بالبقاء دُبِّرت لها المكائد، وصُنعت لها اللعب، وعُوِّقت مسيرتها، وأُشغِلت عن معالي تفكيرها، مكائد لم تكن مرتجلة، ولا عفوية، إنها مكائد دُبرت بليل، وأريد لها إفشال كل من أراد عمارة الكون، وعبادة الخالق، وهداية البشرية.
الأعداء في العقيدة والأخلاق يسوؤهم فراغ مثل هذه الدول لمهماتها النَّبيلة، وغاياتها السليمة، وأهدافها السامية.
إن على المتأذين المترقبين بخوف أن يعوا الدوافع، والبواعث، والأهداف، وأن يُرَتِّبوا أمورهم لإحباط ذلك كله، وتخييب آمال المفسدين في الأرض.
ولن يتأتى هذا إلا بوحدة الكلمة، والصف، والهدف، وحماية اللحمة الوطنية المستهدفة من كل متكبر جبار.
الظلم مجتث من فوق الأرض، ما له من قرار، وهو صنو الباطل يتلجلج، {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. وما نواجهه من مصائب محسوب على الابتلاء، والتمحيص:- {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
لا يسلم العمل الشريف، ولا العامل الشريف من الأذى، والكيد، نلمس ذلك واقعاً، وهو من سنن الكون فلا حياة بدون منغصات، ولا حياة بدون صراع، إنه إكسيرها، وسِمَتُها التي لا تتبدل، ولا تتحول.
يعضد هذه السنن سمَّاعون، مخدوعون، يسلِّمون لفيوض الإعلام العميل، ومواقع السوء، همهم ممارسة التوهين، والتشكيك، والتخذيل، ورهانهم طفح الإعلام، ومستنقع المواقع.
العلمنة المتطرفة، والليبرالية المطلقة، والحداثوية الفكرية، والبعثية الضالة، وسائر المصطلحات الغربية، لا تختلف عن التدين المتطرف، والرفض المجوسي المتعصب، تلك تقود إلى الضلال، والذل، وذلك يدفع إلى الإرهاب، وسفك الدماء.
لا بد من التوازن، والتأمل، والوعي. نحن نمشي على أرض ملغمة، ونعايش أدمغة مفخخة، ودول ظلم جائرة، واستكبار ينازع رداء الكبرياء الذي اختصه الله لنفسه:- (الكبرياء ردائي). هذا السيل الجارف من المذاهب والطائفيات يدير الفوضى الهدامة، ويجند المغفلين، والمرتزقة، وأصحاب الأهواء، والشبهات، والشهوات.
لم يكن المشهد حراً في تصرف ذويه، كل شيء محسوب الخطوات، بل الحركات، والأنفاس.
الكثير منا غارق في غفلة الإيمان، متكئ على سلامة القلب، ونبل المقاصد، والآخر مستنفر كل إمكانياته: الحسية، والفكرية.
مشرقنا المأزوم مستهدف، والقول بهذا ليس تنصلاً من المسؤولية، ولكنه تحذير من الغفلة. هذا الاستهداف قُصد به دول الممانعة، والرشاد، والترشيد. قوى الشر، والظلم، والتسلط تملأ بحر مشرقنا، وبره، وسماءه بمختلف الأسلحة، وأنواع الخبراء.
لم يكن لمشرقنا جندي واحد خارج حدود دوله، فيما جنود الظلمة، والعملاء المجندون، يسرحون ويمرحون، ويأخذون المقيم بالظاعن، والبريء بالمتهم. قاتلهم الله حيث اتجهوا، وأحبط أعمالهم حيث وجدوا.