إن ثقافة الاستهلاك قد تخدم أدواراً مختلفة لفئات اجتماعية مختلفة وحتى لمجتمعات مختلفة، وبشكل واضح فإن ثقافة الاستهلاك غير ضرورية لتوضيح لماذا يطعم الجائعون أنفسهم ولماذا يكسو المقرورون أنفسهم بينما هي تساعد فعلاً في توضيح سبب تناول الوجبات السريعة، ولماذا يغرق الناس في الديون من أجل شراء مجموعات عديدة من الملابس والسيارات الغالية.
والأمر الأكثر تحدياً هو اللغز الغامض في سبب تحدي الفقراء الواضح في البلاد الغنية والفقيرة على السواء، للتعقل والاتزان الاقتصادي بشرائهم للماركات العالمية الغالية لكي يزوِّروا إحساساً معيناً بالهوية.
إنَّ مضامين انتشار ثقافة الاستهلاك والمؤسسات الثقافية والسياسية التي تبنى عليها من قلب مركزها في العالم الأول والأماكن الأخرى حيث تبنتها الأقليات القليلة المنتفعة، إلى بقية أنحاء العالم، هو تغيير اجتماعي على قدر حقيقي من الأهمية العالمية. فإن من المهم أن نصوغ نظرية حول ثقافة الاستهلاك ودورها في قلقلة وتشويش قضية إرضاء الحاجات الأساسية.
إنَّ المشروع الفكري للرأسمالية هو إقناع الناس بأن يستهلكوا أكثر من حاجاتهم البيولوجية الطبيعية ليسهموا في استمرار عملية تراكم رأس المال بغية الربح الخاص.
وبكلمات أخرى للتأكد من أنَّ النظام الرأسمالي العالمي مستمر للأبد. إذ تعلن ثقافة فكر الاستهلاك حرفياً إنَّ معنى الحياة يوجد في الأشياء التي تملكها وبذلك، فـ«أن نستهلك» يعني أننا أحياء تماماً، ولكي نبقى أحياء تماماً يجب أن نستهلك باستمرار.
إنه الآن أمر عادي تقريباً أن يصنف المجتمع شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً، فقيراً أو غنياً على أنه مجتمع استهلاكي.
فعلى ما يبدو إنه ليس هناك شيء أو أحد محصن ضد التحول إلى سلعة، والتحول إلى تجارة، وضد أن يُشرى ويُباع. إنّ ما يدعى عادة بالثقافات المضادة يندرج في ثقافة الاستهلاك وتثير تهديداً صغيراً.
وبالفعل بتقديمها كلاً من التنوع والخيارات الحقيقية والوهمية فإنها تصبح مصدراً لقوة عظيمة للنظام الرأسمالي العالمي وللثراء الشخصي لأولئك القادرين على التمتع بغزارة ووفرة الصيغ الثقافية المتوافرة بشكل غني عن البيان.
لقد استطاعت حركات البيئة في بعض صيغها أن تتحدى الثقافة الاستهلاكية بالتأكيد، لكن دليلاً من قمة الأرض في «ريو» عام 1992م برهن على أنَّ بعضاً من نماذجها الرئيسة على الأقل ظهر على أنه على طريق عملية الاندماج، وأنَّ أولئك الذين يرفضون الاندماج يهمشون، إنَّ تحضير الشركة في كل من تظاهراتها الأصلية والمزيفة، جار مجراه بشكل جيد، لكن الشركات هي التي تسيطر وبإحكام على العملية وليس الخضر.