منال الخميسي
كثيرًا ما يتعرض أصحاب المبادئ الثابتة والأشخاص المخلصون في أعمالهم إلى العديد من المواقف التي قد تسبب لهم نوعًا من الأزمات النفسية بسبب كثرة المواقف السلبية التي يشاهدونها وقد يمررها باقي أفراد المجتمع بكل سهولة دون الالتفات إلى عواقبها الوخيمة أو ما سيترتب عليها من أخطاء.
فعندما تكون في أجواء عملك شخصًا مرتبًا أفكارك منظمة تعرف جيداً ماذا تفعل ولديك خطط منهجية تنهي بها أعمالك على أتم وجه ويقابلك في نفس المهنة شخص ارتجالي ينهي خطوة ويتلكأ عشرًا غير ملتزم بقواعد مهنية ولا خطط مسؤولة ولكنه قريب إلى الجميع مسموع الصوت يملك الحنجرة الأعلى والصوت المستساغ، تغفر له الأخطاء وتمرر له الهفوات بل بالعكس تراه يوضع دائمًا في المرتبة الأعلى أو على الأقل ترفع له درجات كي يتساوى بك عن غير جدارة ولا استحقاق فتبدأ ثقتك تهتز بعض الشيء وتبدأ في التفكير من منا على صواب هل هذا الفوضوي غير المسؤول يفهم الحياة جيدًا أم أنا الذي يعقد الحياة أكثر من اللازم تعيد التفكير آلاف المرات في انتهاج طريق جديد يسمح بالتغاضي عن الأخطاء أو اعتماد منهج اللا مبالاة.
حين تقابل بعض الأمور غير السوية تحاول ولا تنجح في أن تكون تلك الشخصية أو قد ينتهي بك الأمر لترك المكان بكامله والبحث عن بيئة أكثر صحة تناسبك وتناسب مبادئك قد تنجح في ذلك وقد تعيد نفس التجربة الأولى وبالتالي نفس الصراع الذي لا ينتهي بين الخطأ والصواب.
تسمح في بعض الأحيان لابنك في الانطلاق مع أقرانه سواءً لسفر أو رحلات أو ما شابه قد تكون أعددته دينيًا ومعنويًا بالتمسك بمبادئ ثابتة وعدةُ من العادات والتقاليد تملئ بها ذاكرته وما تربى عليه لتفاجأ بعد ذلك بعودته إليك مسرعًا متخبطًا بين ما رأى من تفتح أقرانه الزائد وتنحيتهم للقواعد الدينية والاجتماعية الموروثة، وقد يكون أيضًا ارتكاب عدد من الأخطاء بحجة فصل الدين والتربية عن التصرفات الشخصية منها الاختلاط بلا حدود أو إظهار نوع من السلوك غير السوي بل ويوجهون لابنك اللوم على أنه متمسك بما تربى عليه من قواعد وينكرون عليه سلوكه المعتدل ليعود ويسألك هل بالفعل أبالغ في تصرفاتي وسلوكي أم أنا إنسان سوي وفي بعض الأحيان مهما تفوهت له بكلمات قد لا يسمعها لأن تأثير تصرفات أقرانه تكون أقوى وفي بعض الأحيان أقسى
قد يأخذ بعض الوقت ليعود إلى صوابه وقد ينجر إلى ما شاهد من أفعال أو يظل متخبطًا لفترة طويلة أمام ما رأى وسمع إلى أن تساق إليه البراهين أو يكتشف بنفسه صحيح ما تربى عليه.
كذلك تمسك ابنتك بارتداء الحجاب من عدمه قد يتأثر في وقت من الأوقات بتصرفات القرينات ومشاهدة وسائل الاتصال وأنه كيف تظهر غير المحجبة منطلقة تلبس ما تشاء وتعد لها خطوط الأزياء كل ما هو جديد وأنيق فيحدث ذلك نوعًا من اهتزاز الصورة الرصينة التي تربت عليها بعض الوقت من البنات من تتمسك بما عرفت من صحيح الدين وبفرضية الحجاب معتمدة على أم معلمة وثابتة وأخرى تبادر بخلعه لتساير الجديد ومن ثم تبدأ لديها عملية التذبذب في ارتدائه وخلعه وخاصة في غياب الوعي الأسري بدور الأم أو من تقوم به في توعية الفتاة بشؤون دينها، وأنه حين ترتدي هذا الزي فلابد أن تكون على قدر كبير من المسؤولية تجاهه كل منا يرى الأبيض والأسود الصواب والخطأ.
لا أنكر أنه في بعض الأحيان يتفوق الأسود ويسود وينحصر الأبيض ولكن انحصاره يكون مؤقتًا أمام الشخصية الأقوى ليست فقط الشخصية التي تواجه الموقف ولكن شخصية من ربى وعلم وأتقن من زرع الثقة فجنى الثبات حين تتسلم شخصية كي تربيها لابد وأن تكون على قدر كبير من المسؤولية تجاهها لابد وأن تهتم جيدًا بالبذور النقية التي تلقيها في التربة الخصبة وبين الحين والآخر تفقدها احذف ما طرأ عليها من عطب قومها شدها نحو الضوء ولكن برفق ساعدها على التخلص ممن يحاول التسلق إلى جذورها ليفسدها، النبتة القوية تحتاج إلى العناية في كل لحظة الإنسان الذي تكون أمامه في مسؤولية المربي أو المعلم لابد وأن تعامله كما تعامل النبتة لا تهتم فقط بمأكله ومشربه اهتم جيداً بتغذية وتقويم روحه وسلوكه وعندما يأتي أمام موقف يحتاج فيه لاتخاذ قرار فإنه لا يمكن أن يخذلك أبدًا عندما نعلم أبناءنا أو من نربي ونعلم أن الخطأ واضح والصواب واضح فلا يمكن أبداً أن نجدهم يتبنون مواقف أو عادات سلبية مبادئهم دائماً حاضرة ولو تطلب ذلك الاستغناء عن كثير من متع الحياة أو أصدقاء لا يضيفون الكثير.
عندما يأتي ابنك أو ابنتك ويسألك هل ما أفعله صائبًا؟ أطلب منه أن يكتشف ذلك بنفسه في ضوء ما تربى عليه لا تتعجل الحصاد طالما زرعت جيدًا سيأتي بعدها وإن طال الوقت ويقول لك بنفسه أنا وأنت على صواب عندما تتساقط الأوراق الذابلة أمامه واحدة تلو الأخرى كان سقوطها سريعًا لأنها افتقرت للعناية والتقويم تركت تنمو كما تشاء ووضعت في أجواء لا تشبه بيئتها فذبلت وانتهت.
من يتمتع اليوم بالتفاف الجميع حوله وهو لا يعطي ويعمل بضمير غدًا سينكشف فقر ميزاته وينفض الجميع من حوله من يمرح اليوم في الأرض يمينًا ويسارًا يفعل الأخطاء ويقفز فوق الحواجز والحدود والعادات والمبادئ السوية سيأتي يوم يجد فيه نفسه أمام العقاب الإلهي والاجتماعي الذي يقذف به بعيدًا عن الحياة السوية وتعرف حينها أنك كنت على صواب حين لم تنجر وراء ما يغويك به من التفتح وتعدي الحدود والتجرؤ على فعل كل ما هو مشين.
من تتمسك بحجابها غير مكترثة بما تشاهد أو تسمع من مغويات وملهيات تجد نفسها في مكانة عليا في أعين كل من يقابلها تنحني أمامها الرؤوس احتراماً وإجلالاً لحيائها واحترامها لنفسها ودينها.
الثبات على ما نقتنع به من أصعب اختبارات الحياة وقد يكون أطولها وأشقها.
قد تعيش في ترددك وشكك ساعة أو يوم أو شهر أو عام كامل ولكنك إذا كنت مستندًا إلى حائط قوي تربيت عليه وحماك فترات عمرك فإنه لا يجب أن تخاف من لحظات الشك لأنها ستبقى أمامه كغثاء السيل حين يرتطم بالشاطئ يتفرق وينتهي.
أنت على صواب مهما تجمل الخطأ ولقى استحسان الآخرين فقط إثبت فثباتك كفيلاً باستناد الصواب عليه ونهوضه وتفوقه وإعلائه مهما طال الوقت أو بعدت مسافات الزمن.