الهادي التليلي
أحياناً تتكسر زجاجة العقل ويصير الوعي في حالة من قلة الوعي كما لو كان في سكرة تنتظر الإفاقة أحياناً يكون الواقع بمثابة متاهة أو عبث في رحلة للمجهول، فالتاريخ يقدم لنا دروساً خصوصية بالمجان، والبشرية لا تتعلم، فكورونا التي تمددت في الأرض حتى كادت تلغي اسم البشر من عليها (وما زال الخطر قائماً).. فمتى ستتعلم البشرية وتتنازل قليلاً عن الصلف الكاذب الذي تفضحه الأيام والوقائع؟
عندما هجمت كورونا لم تقص شعباً دون آخر، لقد مست كل البشر.. على شرورها هي على الأقل اتسمت بالمساواة وعدم الكيل بمكيالين..
فعلاً أسئلة حارقة مدوية مصدعة، فها هم مستوطنون يخرجون عائلات من ديارهم في شهر عبادتهم حتى يسكنوا فيها يقع هذا في سنة 2021 في عالم تتبجح ديمقراطياته بمفاهيم رنانة معتبرة إياها قيما جمهورية متعالية على المصالح الفردية مرتفعة إلى أفق ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فأين قيم الجمهورية وأين حقوق الإنسان وأين هم من قيمهم.
في الحقيقة وأنا أشعر بالألم ككل أبناء جلدتي أحاول استرجاح المشهد والنظر للأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ما الذي جعل المستوطنين يرتكبون هذا الجرم وهم واثقون بكونهم خارج دائرة العقاب؟ ما الذي يجعلهم يشعرون بأنهم بإمكانهم التنمر على شعب ضعيف نخرته اختلافات ساسته وتناحرهم من أجل حفنة مصالح؟ هل فعلاً هناك سلطة فلسطينية قائمة لحظة وقوع كل هذا؟ سؤال يطرح نفسه.. فلما الناس العزل يتحملون مسؤولية الدفاع عما تبقى من الأرض والعرض؟ أين هي السلطة الفلسطينية فالأطفال والنساء والرجال الذين تعرضوا للإهانة على مرأى ومسمع من كل العالم بلا دولة؟ فما جدوى الملايين والمليارات التي تحصل عليها هذه السلطة كهبات ومساعدات إذا لم تكن في حماية طفل مستقبله قد يكون خيراً للبشرية؟
لنفترض أن السلطة الفلسطينية كانت غير مهيئة أو في غير يومها ساعة وقوع ما وقع أين الأمم المتحدة التي أصيبت بالسكتة الكورونية ولم نعد نسمع لها صوتاً؟ أين الضمير الإنساني الذي قامت عليه منظمة الأمم المتحدة وأين الميثاق العالمي لحقوق الإنسان؟
أين الدول العظمى التي تعتبر نفسها حارسة العالم وإذا مست قطرة بترول واحدة حتى في المريخ تحرك أساطيلها وتطلق المعارك الإعلامية والعسكرية وتزرع من تزرع لتشرع وجودها؟..
هنا يستوقفني خبر تداولته وسائل إعلام غربية حول لقاء جمع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية مع أحد كبار المسؤولين الأمريكيين في واشنطن قبل أيام قليلة تناول مسألة مفاوضات جينيف حول الملف النووي الإيراني، وأن مخرجات هذا اللقاء كانت كافية لخروج المسؤول الإسرائيلي خروج المنتصر وإذا كان توقعهم بأن ما يحصل في المشهد والمتغيرات الجديدة على مستوى ما يحضر في جينيف من مخرجات اللقاء.. فما ذنب الشعب الفلسطيني الأعزل أليس من صالح الجميع أن يعم السلام في المنطقة؟
إن ما يحصل فعلاً شكل من أشكال تصنيع التطرف والاستثمار فيه لأن هذا الاستدراج سيعطي حضوراً لحماس ومن لف لفها ويبني لهم مجداً لا يحلمون به ونضالية تتحرك بها الحناجر والسرديات المألوفة إنها تفاصيل لا إنسانية في أبعادها وجوهرها..
في الواقع الشعوب العربية وحكوماتها وقياداتها لم تقصر مع القضية الفلسطينية، ولكن ساسة فلسطين هم من قصروا وأضعفوا أنفسهم بصراعات وخلافات كلها متعلقة إما بالكرسي أو بالغنيمة وإن كانت أنشودة التطبيع التي يرمي عليها بعضهم شماعة ما يجري، فأول المطبعين محمود عباس الذي لم يكتف بجعل الموقف الفلسطيني ميكروسكوبي على طاولة المفاوضات بل ساهم في إضعاف دول عربية بعينها جراء سياساته العشوائية التي كانت كلها لصالحه على حساب الآخرين الشعوب العربية عاشت القضية الفلسطينية أكثر من ساستها، ومنهم من دفع عمره، ومنهم من تطوع ورمى به في فم المدفع ولم يجد معه أحداً، العالم العربي كله تعاطف من هذا الجرح الدامي، وقبل أن نسأل الآخر علينا سؤال أنفسنا.
ما يحصل الآن في فلسطين موجع محرك لآلة حفر الأسئلة إلى قاع يجعل الراهن غير معزول عن أي لحظة من لحظات الماضي إلى ما يشبه الحفريات التي لا نهاية لها.