عبدالوهاب الفايز
هذه الحرب المتجددة في فلسطين.. يبدو أنها ستكون الكاشفة!
تكشف مدى معاناة الفلسطينيين تحت وطأة ووحشية الاحتلال، حيث تهدم البيوت على الأبرياء من الأطفال والنساء، وتكشف معاناتهم من عبث القيادات السياسية الفلسطينية!
وتكشف الوجه الحقيقي للديمقراطية التي تدعيها إسرائيل، فقد انقلب المواطنون اليهود على جيرانهم العرب بالاعتداء والعنف، بدعم من السلطات، رغم تقاسمهم المواطنة! هذه هي القاعدة النفسية والفكرية لأنظمة (الفصل العنصري).
والأهم: تكشف حقيقة الموقف الأمريكي الحكومي، وموقف إدارة بايدن، وضمير قيادات الأحزاب والجماعات الليبرالية في أمريكا وأوروبا المتعاطفة مع إسرائيل.
وأيضًا تعيد كشف حقيقة (قيادات حماس) التي بايعت على نصرة الحزب الإخواني والجهاد في سبيله، وبايعت نظام الخميني، وتعيش على أمواله، وتقدم له الولاء.. فهذه لا يهمها معاناة الشعب الفلسطيني (صاحب القضية العادلة المبتلى بقيادات غير موفقة)، كما يقول الأمير بندر بن سلطان.
وكذلك تكشف أن استثمار إيران في حماس يثمر العائد السياسي الكبير، فإيران التي دأبت على الحرب بالدماء والأموال العربية.. الآن تتطلع لكسب سياسي عبر خلط الأوراق في المنطقة الذي تحتاجه في مفاوضاتها حول المشروع النووي. ولعل كل هذه تكشف للشعوب المخدوعة بقيادات حماس حقيقة تلاعبهم بالقضية.
وأيضًا نرجو أن تكشف لليهود في العالم، بالذات في أمريكا، خطورة سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على الشارع اليهودي في إسرائيل المنجرف للعواطف وللمواقف العنصرية، فوحشية الجماعات المتطرفة المتحالفة مع حزب نتنياهو تقلق النخب السياسية والفكرية اليهودية في الغرب التي ترى أن هذه الجماعات تعيد إنتاج مشاعر معاداة السامية في العالم.
وأول يهودي أمريكي أبدى انزعاجه من نتنياهو هو السناتور والمرشح الرئاسي السابق (برني ساندرز)، ففي مقال نشره في (النيويورك تايمز، 14 مايو الجاري) انتقد نتنياهو بشدة، ففي سنوات حكم اليمين في إسرائيل (زرع نتنياهو نوعًا متزايدًا من عدم التسامح والاستبداد والقومية العنصرية. ففي جهده المحموم للبقاء في السلطة وتجنب الملاحقة القضائية بتهمة الفساد، أضفى نتنياهو الشرعية على القوى اليمينية، بما في ذلك إيتامار بن غفير وحزبه المتطرف «القوة اليهودية»، من خلال ضمهم إلى الحكومة). يقول برني: (إنه لأمر مروع ومحزن أن العصابات العنصرية التي تهاجم الفلسطينيين في شوارع القدس لديها الآن تمثيل في الكنيست).
أيضا تكشف الأحداث أن الموقف الأميركي من الصراع العربي الإسرائيلي لن يتغير كثيرًا بسبب الأحداث الجارية في فلسطين، بالذات في البيت الأبيض أو في الكونجرس بمجلسيه، فأنصار إسرائيلي يمسكون بمفاصل صناعة القرار الذي يخص الشرق الأوسط، ولهم التجمع القوي في وسائل الإعلام الرئيسية، والإعلام غالبًا يمارس دوره المهم في إعادة تعريف الأوضاع للناس البعيدين عن تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط والمشغولين بأمورهم اليومية، لذا لن نجد لهم تأثيرًا على مواقف مرشحيهم.
النواب الذين أبدوا تعاطفهم مع القضية الفلسطينية عددهم محدود، وتأثير خطابهم سهل احتواؤه وتحييده، وسوف يضيع في بحر التقارير والأخبار والتعليقات المتاحة للمسؤولين الإسرائيليين ولأنصار إسرائيل في الإدارة والكونجرس ومراكز الدراسات والأبحاث، ولن يتمادى هؤلاء النواب في تجاوز الخطوط الحمراء في انتقاد إسرائيل.
هؤلاء النواب سوف ننتظر لنرى كيف يتعامل ضميرهم مع ازدواجية المعايير داخل المؤسسة السياسية والإعلامية الحاكمة في أمريكا، فالإدارة الجديدة اتخذت مواقف شبه عدائية من بعض الدول وقياداتها تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان لمن تسميهم الناشطين والناشطات في الدفاع عن الحريات المدنية. الإدارة أعلنت سريعًا وقوفها غير المشروط مع إسرائيل للدفاع عن وجودها، ولم تهتم لحقوق الإنسان ولأوضاع الفلسطينيين في القدس وبقية الأراضي المحتلة.
هذه المعايير المزدوجة في الموقف من قضايا حقوق الشعوب ومصالحها لن تكون في صالح الموقف الأمريكي على المسرح السياسي العالمي، فأمريكا تعلن الحرب الباردة على الصين تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات المضطهدة في الصين. وتتخذ مواقف أخرى مع حكومات عدة تحت هذه الذرائع.
طبعًا العالم يسمع ويرى ويعي ما يجري، والتواصل الاجتماعي جعل الكتل السكانية، المعزولة عن الأحداث الساخنة في زمن مضى على تماس يومي حي مع الواقع المعاش، وترى تداعيات الصراعات وآثارها المدمرة على حياة الناس البسطاء التي تتشارك وتتشابه معها في الظروف وفي مواجهة أعباء الحياة. فالعالم يعيش هموم الحياة في القرية الكونية الجديدة!
وازدواجية المعايير هذه حذر منها برني ساندرز في مقاله الأخير، إذ يقول: (إذا كانت الولايات المتحدة ستصبح صوتًا ذا مصداقية في مجال حقوق الإنسان على المسرح العالمي فيجب علينا التمسك بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان باستمرار، حتى عندما يكون ذلك صعبًا من الناحية السياسية. يجب أن ندرك أن حقوق الفلسطينيين مهمة. حياة الفلسطينيين مهمة).
شكرًا برني!