د. صالح عبدالله الحمد
كثير من النساء هنَّ المدارس الحقيقية للرجال منذ الصغر حتى الكبر.
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق.
الأم روض إن تعهده الحيا
نما وأورق أيُّما إيراق.
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق.
فهؤلاء النساء النماذج الطيبة ضحيْن بذاتهن من أجل استمرار أسرهن وإسعادهن، مما يجعلهن العنصر الأهم في استقرار أسرهن واستمرار حياة تلك الأسر.
إن التضحية التي تقدمها المرأة لأسرتها هي عنوان أنوثتها، وهي سر أمومتها، فلا تفهم الأنوثة في حقيقتها والأمومة إلا ضمن أسرة تشعر باللطف والشفقة التي أودعها الله -عز وجل- في ذلك المخلوق الرائع الأم والزوجة والأخت والخالة والعمة، ولذا فإن سعادة البشرية مرهونة بوجود أمهات نذرن أنفسهن لسعادة أسرهن ونجاحهن، وإن من تعاسة البشرية أن تطلق المرأة أسرتها راميةً إياها وراء ظهرها.
لكن أم عبدالعزيز هذه صاحبة العنوان -رحمها الله- هي ذات أنموذج رائع جداً، فقد توفي زوجها -رحمه الله- وأولادها ما زالوا صغاراً، قامت بحفظهم وتربيتهم وتعليمهم حتى صاروا رجالاً عصاميين، شقوا طريقهم في الحياة -بحمد الله- حتى صار لديهم ثروة وأصبحوا وجهاء، يفد إلى منزلهم العامر البعيد والقريب، ويساعدون أقرباءهم والمحتاجين، وكل ذلك بتوفيق الله ثم بتوجيهات والدتهم أم عبدالعزيز -رحمها الله-، ونادراً ما تجد شخصاً من بلدتهم لم ينله ذلك الكرم، بل والمساعدة أحياناً، شقوا طريقهم -بحمد الله- وصار ديدنهم في الحياة تفقد احتياجات أقربائهم والمحتاجين الآخرين، ووالدتهم أم عبدالعزيز -رحمها الله- هي الأخرى تماثلهم في ذلك، لقد كنت أنا وأخي سعود -حفظه الله- من أقرباء أم عبدالعزيز البعيدين، لكنها كانت تعطف علينا، لاسيما حينما كنا صغاراً في مزرعة جدنا بالطرغشة بمحافظة الزلفي، وكنا نسقي على الدواب ونرعى الماشية، وكانت الظروف قاسية جداً، لاسيما الغذائية منها، وكانت -رحمها الله- تستأجر أحد الشباب ليحضر لنا أكلةً شهية من الأرز مع اللحم، وكنا لا نستطعم الأرز واللحم إلا من أم عبدالعزيز -رحمها الله-، حيث كانت ظروف غالبية الأسر في ذلك الوقت ضعيفة جداً وكان الطعام نادراً، الحمد لله على نعمه الكثيرة الآن، وكانت أم عبدالعزيز تتفقد شؤوننا وتساعدنا في بعض الأمور، واستمرت في ذلك حتى كبرنا، لاسيما أنا، والدلالة على ذلك الاستمرار حينما تزوجت في سنة 1387هـ، أهدتني بشتاً وملابس راقيةً وعطراً جذاباً، وحينما انتدبت للتدريس في سنة 1395هـ لدولة الإمارات العربية المتحدة، كانت ترسل لي رسائل بالبريد تسأل فيها عن أحوالي وأسرتي، وتفيد بها أنه إذا تحتاج أي شيء فلا تتردد أنت، هكذا تقول لي -رحمها الله- في بلاد غربة رغم أن قرابتي لها كما ذكرت كانت بعيدة جداً، ولقد استمر هذا التواصل -بحمد الله- معها عبر الرسائل، وأحياناً زيارة أولادها في المنزل حتى توفيت -رحمها الله-.
هذا أنموذج رائع لتلك النساء اللاتي لهن أيادٍ بيضاء في حسن التربية، وتشجيع الأبناء على الكرم، وتفقد المحتاجين، وصلة الرحم، وهذا هو الأنموذج الرائع لأم عبدالعزيز -رحمها الله- باختصار شديد جداً، ولوكان مجال المقال يسمح لذكرت عدداً كبيراً من تلك الصفات الجميلة التي تتصف بها أم عبدالعزيز -رحمها الله-، وذلك لنقل صورة مشرفة من الحرص على تفقد المحتاجين وصلة الرحم والعطف على المساكين، رحم الله أم عبدالعزيز وغفر لها، وجعلها الله في الفردوس الأعلى من الجنة ووالديها ووالديَّ ووالديكم وجميع المسلمين آمين.