د.جيرار ديب
قال وزير دفاع العدو الإسرائيلي بيني غانتس الثلاثاء 11-5-2021، في تصريحات بثها التلفزيون الإسرائيلي وإلى جانبه رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس أركان الجيش، «أنه تم توجيه ضربات عنيفة لغزة، مشيرًا إلى أنّ هناك أهدافًا كثيرة وهذه هي البداية فقط، وسنعمل على إعادة الهدوء والأمن لمواطنينا، ولمدة طويلة».
من كلمة «ولمدة طويلة» يبدأ المشروع الذي رسمته على ما يبدو حكومة نتنياهو المتعثّرة تشكيليًا، والتي تفتّش عن معادلات جديدة تكرّس لرئيسها السلطة، لتجعل منه زعيمًا، وتسمح له بالتهرّب من أبواب المحاكمات التي بدأت تُفتح أمامه.
شهد المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح في القدس الشرقية منذ أيام مواجهات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية أصيب فيها أكثر من 200 فلسطيني. وقد تصاعد التوتر بسبب الإجلاء المحتمل لعائلات فلسطينية من منطقة يطالب بها المستوطنون الإسرائيليون. قد تكون حالة التوتر طبيعية بينهما، لأنّها تحصل باستمرار على خلفيات متعدّدة، لكن ما هو غير اعتيادي طريقة العنف المفرط والقمع الهمجي ضد المتظاهرين الفلسطينيين، إضافة إلى القصف الوحشي الذي تمارسه قوات الاحتلال في وجه غزة.
هذا التصعيد يطرح السؤال التالي: هل هي طريقة متعمدة على غرار السياسة الشارونية، نسبة إلى أرييل شارون رئيس الوزراء الأسبق، وهي التعمّد بالإفراط في العنف للوصول مع العدو إلى نقطة اللا عودة؟ أي تهدف القوات الإسرائيلية بطريقة العنف المتّبعة مع العزل لحثّ حماس والفصائل الأخرى، إلى الدخول بحرب أرادتها إسرائيل لغاية في نفس نتنياهو. هل نحن في مرحلة قلب المعادلات والتسويات التي تشهدها المنطقة، من خلال جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران وكل ما يمثّله هذا المحور؟
اعتمد الرئيس جو بايدن في سياساته الخارجية على سياسة المهادنة مع الخصوم، فقرّر إعادة التموضع لعسكره في أكثر من منطقة نزاع، لاسيما العراق وأفغانستان، كما قرّر العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي، فقام بجولات غير مباشرة في فيينا، توحي بحسب المصادر المتابعة بالوصول إلى الخواتيم السعيدة للاتفاق.
سار الرئيس بايدن في عملية التفاوض مع الإيراني بطريقة خطوة مقابل خطوة، أي تقدم الإدارة الأميركية على تقليص حجم العقوبات، بالمقابل تقدم إيران على إعادة السماح للمراقبين الدوليين بالدخول إلى مراكزها النووية. وهكذا تستمر العملية للوصول إلى إبرام الاتفاق النهائي، بمباركة روسية وصينية وأوروبية.
بالطبع، لإسرائيل غير المباركة بإيصال الملف النووي الإيراني إلى خواتيمه السعيدة رأي آخر؛ إذ حاولت في الكثير من الأحيان إرسال رسائلها الرافضة لمجريات الاتفاق، لعدم ثقتها بالقيادة الإيرانية. فحملت حادثة الاعتداء على شبكة توزيع الكهرباء في منشأة نطنز في إيران أكثر من رسالة بعد توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، والتوعد بالعقاب، طبعًا في المكان والزمان اللذين تراهما إيران مناسبين للرد كما هي تصريحاتها المعتادة دون أن ترد.
هذا وقد سبق التفجير عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في إيران، التي وجّهت إيران أيضًا أصابع الاتهام فيها إلى الموساد الإسرائيلي. إضافة إلى حرب ضرب السفن المتنقلة في البحر الأحمر بين الفريقين، وهي أكثر من واضحة للتحضير إلى مرحلة عسكرية باتت قاب قوسين بينهما، وعلى ما يبدو افتتحها الإسرائيلي من القدس.
المعركة بدأت، وحشر الإدارة الأميركية بالوقوف فعليًا إلى جانب إسرائيل، كان على لسان الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي جاء في بيانه: «في عهد بايدن أصبح العالم أكثر عنفًا وأكثر انعدامًا للاستقرار، لأن ضعف بايدن وقلة الدعم لإسرائيل يؤديان إلى مزيد من الهجمات على حلفائنا».
ما من شكّ أنّ ترامب يعبّر عن لسان حال نتنياهو، وعلى الرغم من تأكيد بايدن الوقوف إلى جانب إسرائيل في صراعاتها، إلّا أنّ المضي بالاتفاق النووي، ترى فيه حكومة نتنياهو زيادة من قدرة إيران على دعم نفوذها في المنطقة، لا سيما الأطراف الموجودة على حدود إسرائيل، حماس وحزب الله.
لذا، لن نتوقّع أن تنصاع إسرائيل إلى دعوات ضبط النفس والتهدئة، بل حسب التصعيد الميداني، هي ذاهبة إلى فتح أكثر من جبهة قتال، وأكثر من ساحة حرب. هي ذاهبة إلى تغيير المعادلة الإقليمية القائمة على توازن الردع بين إيران وإسرائيل، فضرب إيران بالعمق الداخلي، خصوصًا منشآتها النووية، قد يكون أحد أهداف هذه العملية العسكرية لجرّ الأميركي إلى حسم قراراته، وإدخاله في حرب إقليمية كبرى تتغيّر فيها المعادلة، كما حصل في عام 1967 عندما قلبت إسرائيل المعادلة في عدوانها على الدول العربية المجاورة لها، من معركة الوجود إلى معركة الحدود، أي إرساء معادلة «الأرض مقابل السلام».
كل الأمور والخيارات مفتوحة على كافة الاحتمالات، خصوصًا مع الصمت الروسي الذي اعتادت إسرائيل عليه في قصفها لسوريا، ومع عدم التدخل الصيني، وكأنه يوجّه رسالة عدم التدخل في شأن الشرق الأوسط، كي لا يصطدم عسكريًا مع الولايات المتحدة الأميركية. أخيرًا، نخلص إلى القول بأنّ العدوان على غزة إن طال، قد يكون مؤشرًا لفتح جبهات جديدة، والآتي أعظم.