فدوى بنت سعد البواردي
أنا امرأة سعودية وُلدت وتعلمت ونشأت خارج المملكة العربية السعودية لأسرة سعودية غرست التقاليد الأصيلة بداخلي منذ طفولتي. في التسعينيات، وبعد أن أنهيت دراستي الثانوية وحان الوقت للتفكير في مجال دراستي المستقبلي والتخصص الذي يجب أن أختاره مع درجاتي العالية... كانت أمنيتي الأولى هي مجال العلوم السياسية، وفي ذلك الوقت، أتذكر أنني كنت أفكر أن هذا قد لا يكون أفضل قرار اتخذه حينها، بسبب الوظائف غير المؤكد أتاحتها لامرأة سعودية في مجال الشؤون الخارجية والدبلوماسية، وبالتأكيد لم يكن هدفي البقاء بلا عمل في المنزل بعد التخرج. وفقًا لذلك، ذهبت مع خياري الثاني، علوم الكمبيوتر.
خلال سنوات دراستي الجامعية للحصول على درجة البكالوريوس، أتذكر قضاء ساعات لا حصر لها، في معمل الحاسب، ورأسي مدفون خلف شاشة الكمبيوتر لكتابة أكواد البرمجة من خلال لغات الكمبيوتر المختلفة. أتذكر الصبر والمثابرة في كل مرة تنقطع فيها الكهرباء وأفقد عملي وأعيد كتابة الكود الخاص بي مرة أخرى. أتذكر أنني لم أتمكن من مشاركة الكثير من الأنشطة الاجتماعية حينها، لأن أفضل صديق لي كان جهاز الكمبيوتر الخاص بي. لطالما كنت أسعى لتحقيق النجاح، بغض النظر عن مدى صعوبة الدراسة، أو مدى تعقيد رمز الكمبيوتر، أو مدى حجم المشروع، فقد كنت مثابرة على النجاح. وفعلت -ولله الحمد- بعد 5 سنوات من الدراسة، تخرجت بدرجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر.
ثم في وقت لاحق من عام 2001، سافرت إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير في التخصص نفسه، وفي كل مرة اتصل فيها بسفارة المملكة العربية السعودية للاستفسار، كنت أفكر كيف هي مكاتبهم.. كيف هو شعور الدبلوماسيين.. مؤكد أنه شعور رائع. كان هذا الحلم الجميل دائمًا بداخلي. ثم تخرجت وحصلت على درجة الماجستير بالولايات المتحدة، بعد أن أمضيت السنوات في معامل الحاسب مرة أخرى. أذكر أنني كنت أرفع يدي كلما طلب المحاضر طالباً ليتطوع لشرح المادة أولاً. لقد بنيت شجاعتي للتحدث بطلاقة أمام الجميع، وتقديم نفسي بثقة واضحة. وفي كل مرة يسألونني في الخارج من أين أكون، كنت أجيب بفخر «أنا من المملكة العربية السعودية».
ثم عدت إلى وطني، وعملت في وظائف تقنية المعلومات لأكثر من 20 عامًا، ثم درست تخطيط الإستراتيجيات في جامعة هارفارد، وحصلت على العديد من الشهادات، وشاركت بالعديد من المؤتمرات الدولية كمتحدثة أمثل وطني السعودية، للتحدث عن النجاحات والإنجازات العلمية، وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها من الدول... مع ذلك.. كان هناك دائماً شيء ما زال ينبغى عمله.. سألت لنفسي.. ما الذي أريده أكثر..؟ وكيف يمكنني مساعدة الآخرين وإلهامهم..؟ فبدأت بكتابة المقالات.. شاركت بموضوعات مختلفة عن التحول الإستراتيجي والتقني المذهل للمملكة العربية السعودية بعد رؤية 2030 .. كتبت بهدف المشاركة بالعلم والمعرفة.. للمساعدة في رفع الوعي التقني.. وكانت النتيجة رائعة وكانت ردود القراء داعمة -ولله الحمد.
وفي الوقت ذاته، صرت أرى حلمي يتحقق.. أصبحت النساء في المملكة الآن دبلوماسيات وسفيرات وملحقات ثقافيات ويمثلن بلادنا في الخارج بفخر. لا مزيد من الخيارات الثانية للدراسة. الآن، يمكن للمرأة السعودية أن تختار أي مجال دراسي تريده وهي على ثقة تامة من وجود وظائف للإناث في المجالات كافة: السياسة والتقنية والمحاماة والقضاء والإعلام والهندسة وغيرها.
وأخيرًا وليس آخرًا، الشعور الذي ينتابني كامرأة سعودية، في هذا العصر، بجملة واحدة يمكن أن أختصره بقول إنه: الشعور بالحرية والامتنان والفخر لما وصل إليه وطني، وهو دائم العطاء سابقاً، ثم أصبح يفيض بالعطاء اليوم.
** **
- كاتبة تقنية وتحليل إستراتيجي