مها محمد الشريف
ثمة حقيقة لا تقبل الجدل، ومسلمة من مسلمات التاريخ قضية العرب الأولى، وهي فلسطين وشكل من أشكال التمركز الصهيوني على أرضها، والكل يعلم أن الصهيونية حركة سياسية عالمية استهدفت إنشاء وطن قومي لليهود، ويعد تيودور هيرتزل (نمساوي الأصل) مؤسس الحركة الصهيونية وقد دعا في كتابه الدولة اليهودية إلى ضرورة تكوين وطن قومي لليهود.
وكان ذلك في سنة 1897 انعقد بمدينة بال Bâle المؤتمر الصهيوني الأول الذي انبثقت عنه المنظمة الصهيونية العالمية، وتوطيد دولة الكيان الصهيوني ثم حماية احتلالاتها الإقليمية الجديدة في الضفة الغربية وسوريا ولبنان وقلبوا الأوضاع كل البنى الاجتماعية، واعتمدت على عدة جهات منها الأجهزة التالية: الوكالة اليهودية التي تشرف على تنظيم الهجرة إلى فلسطين واستيطانهم لها. المصرف الاستعماري اليهودي الذي يتولى نفقات الخدمات العامة. الصندوق القومي اليهودي الذي يقوم بشراء الأراضي في فلسطين وتمويل الهجرة.
ومكتب لهم في فلسطين يشرف على استعمار الأراضي وتوطين اليهود من شتى أنحاء العالم، لكن ما زالت أمام المحتل مغامرة ومعركة أخيرة في سبيل الفوز بالأرض وإبادة خصومه كلهم وترك الحياة تمضي قدماً نحو تطلعاتهم وأطماعهم، ومعهم المرشدون غير المتوقعين يفتحون لهم الأبواب ويمهدون الطرق، مع ذلك أيضاً الدعم الكبير من بعض دول العالم للمحتل ولكن تبقى «فلسطين» معجزة الزمان والمكان، القدر ذاته الذي مكن الصهيونية من الاحتلال سيصيبهم بالوهن والخوف مهما كانت الهيمنة.
لطالما كانت العوائق والقيود مهام صعبة تكلف المحتل الكثير لينعم بسلام دائم ويفوز بالاستقرار، إنه انعكاس لعصر يجلب الدمار على نفسه وعلى العدالة. يتسطح منظور العالم عندما لا يستوعب الإحساس بمعاناة دولة محتلة وشعب مكلوم من محتل غاصب يحتاج العالم للخلاص منه، فجميعنا قرأ هذا التاريخ الأسود ويعي كل فرد عربي كم هو حجم مأساة الفلسطينيين سواء كانوا المهجرين أو الذين يعيشون تحت قمع الاحتلال.
إسرائيل كثفت ضرباتها في الأيام الأخيرة لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بحماس، بينما يحاول وسطاء دوليون التوسط في وقف إطلاق النار، لكن استهداف كبار قادة حماس قد يعيق تلك الجهود حسبما نشرت وسائل الإعلام، في حين يتضح للعيان أن كل ما تفعله إسرائيل من قتل وهدم واستبداد لكي تحول حيوية الأرض إلى سكون الموت.
مثلما تجاوزوا حقوق الشعب الفلسطيني تجاوزوا الحياة، والمرء هنا يدرك المعنى الحقيقي للحقد الدفين والعواقب القهرية من الصهيونية لقتل الفلسطينيين وجعلهم يتجرعون مرارة هذا العدوان، وذلك ينم عن ممارسات القمع والقتل وإرغام السكان لترك بيوتهم وقراهم بالقوة وصاحب ذلك ارتفاع في عدد القتلى في غارة واحدة إلى 35 شخصًا من الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة غزة، أشرف عليها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في ليلة شهدت مشاركة أكثر من 200 طائرة حربية في الهجمات وقد كانت الغارات التي شنتها طائرات حربية إسرائيلية في ليلة سوداء استهدفت 4 منازل في حي الرمال غربي مدينة غزة، وهي الأعنف على الإطلاق لهجوم منفرد منذ بدء التصعيد العسكري الإسرائيلي قبل أسبوع.
وهكذا، فإن مواجهة المحتل أصعب ما تكون لأن الحلفاء قوى عظمى وبينهم تحالف وثيق، فقد مكن الغرب اليهود الصهاينة من إقامة وطن قومي على أساس ديني في فلسطين المحتلة وجعل من دولة إسرائيل الأكثر تفوقًا عسكريًا بينما بسبب هذا القرار الظالم الذي بني على وعد بلفور تم تهجير ملايين العرب الفلسطينيين للشتات وأصبحت قضية فلسطين هي محور النزاعات بالمنطقة وسبب عدم استقرارها السياسي وما نشهده كل يوم من هذا الكيان الغاصب وداعميه من الغرب دليل إضافي على أننا لن نعيش أي استقرار ما لم يتحقق سلام عادل لشعب مظلوم وفي هذا البلد المتقادم في الحضارة.