د. محمد بن إبراهيم الملحم
بدأت العطلة الصيفية، ولا سفر ولا فعاليات، ولا اجتماعات، ولا شيء سوى البلاي ستيشن والمسلسلات والأفلام والنوم والأكل بين كل واحد والآخر، كيف يمضي طلابنا أوقاتهم؟ سؤال يطرحه كل واحد منا على نفسه ويطرحه أبناؤنا علينا أحياناً، ربما يكون الطلاب الأكثر حظاً هم الذين لديهم دراسة في الفصل الصيفي. حينما تغيب الفعاليات والأفكار والمجالات التي يمكن للطالب أن يمضي فيها وقته، ويجب أن نقرّر أن هذا دور الجهات التعليمية والشبابية والمراكز الاجتماعية أن تنشط في العطلة الصيفية لفعاليات يمكن أن ينخرط فيها الطلاب بكل أمان وسلامة خاصة الأنشطة المفتوحة في الهواء الطلق، حيث تقل فيها أو تنعدم إمكانية العدوى بشكل كبير. الشباب بحاجة إلى الحركة وتفعيل المواهب، وما لم تحتضنهم هذه المؤسسات وتضع لهم خططاً من هذا النوع فإنهم سينشأون على الكسل أو الألعاب أو الديوانيات التي تضر غالباً ولا تنفع.
الإجازة ثلاثة شهور ونصف تقريباً، ولو أضفنا ما حصله بعض الطلاب من رمضان وما سيحصلونه من تأخر في جدية البدء بالدراسة في سبتمبر فنحن واقعياً نتحدث عن أربعة شهور، وهي مدة أكثر من طويلة، وكفيلة بقتل كل معاني الهمة والحيوية التي تدرب عليها الطالب، وتعهد بذرة الكسل التي تنشط بداية كل إجازة من هذا النوع لتنمو خلال هذه الفترة الطويلة وتمد جذورها في نفس الطالب وهمته، وبعودة الدراسة سيحتاج أن ينفضها عنها، لمن استطاع إليه سبيلا، ويستعيد ذكريات النشاط والهمة التي كان عليها (وقليل ما هم)، وإذا نجح في ذلك ستظهر له عقبة أخرى هي تذكر المعلومات والمهارات التي حصلها العام الماضي والتي هي متطلب لدراساته هذا العام، وبخاصة الطالب الصغير في السنوات التأسيسية، وإني لأتأسى لحال معلميهم ومعلماتهم وهم يحاولون تنشيط ذاكرتهم واسترجاع مهاراتهم التي فقدوا جزءاً مهماً منها، وكثيراً ما يقومون بإعادة ما سبق لترميم ما يمكن ترميمه. هذا السيناريو لا يعرفه أغلب مسؤولي التعليم لدينا اليوم لأني لا أعرف أحداً منهم قام بتدريس الصف الأول أو الثاني أو حتى عاش هذه التجربة في عمل إشرافي مع معلمين من هذا المستوى، ولأننا نعاني من تحريف المعاني فلا بد لي أن أنص هنا على أن هذا ليس انتقاصاً في حقهم الشخصي أو المعنوي فاختصاصاتهم ومجالات خبراتهم كانت في غير هذا السياق فليس هذا ذنبهم، ولكنما ألمح إلى ضرورة أن يتماهى مسؤولونا هؤلاء مع كل ألوان ومستويات الخبرات في العملية التعليمية ويتعمقون في سبر دلائلها ومقتضياتها المتفاعلة مع القرارات الكبرى والسياسات والتوجهات التي هي من صميم عملهم وتحت عهدتهم.
وردتني إشاعة انتشرت أثناء شهر رمضان أن السنة الدراسية أعيدت برمجتها على ثلاثة فصول دراسية، وفرحت جداً ثم رأيت تكذيب للخبر، وسبب فرحتي أني من أنصار هذا التوجه لما له من فائدة تربوية وتعليمية كبيرة، إذ يقلّل طول العطلة الصيفية، فتزول السلبيات التي أوردتها قبل قليل، ويلغي الإجازات القصيرة أثناء الفصول الدراسية، ويقلّل الكم الكبير للمنهج الدراسي الذي يختبره الطالب في كل فصل دراسي لقصر حصص كل من تلك الفصول الدراسية الثلاثة عن نظام الفصلين. وسبق أن كتبت عن هذه الإشكالية بتفصيل في 9-2-2017 بمقالتي «الإجازات الدراسية، تقويمنا وتقويمهم» هذا رابطها https://cutt.ly/0b1EJHC وكذلك في 16-2-2017 بمقالة «تغير كل شيء.. فهل سيتغيّر تقويمنا الدراسي؟» ورابطها https://cutt.ly/Wb1E0Ri وذكرت فيهما أمثلة للدول العربية والأجنبية التي تعمل لنظام الفصول الثلاثة ومنها الإمارات ولبنان، ووضحت أن التعذّر بالطقس ليس مبرراً كافياً ففي الغرب تستمر الدراسة مع كثافة الثلوج كما أن مدارسنا كلها مكيّفة -ولله الحمد- وأشرت إلى أن إجازة الأعياد يمكن أن توجد وسط الفصل الدراسي ولا يلزم أن تكون في العطلة الصيفية وعندئذ تكفي 3 أيام للاحتفال بالعيد خاصة إذا اقترنت بعطلة نهاية الأسبوع، هكذا تفكر الدول المنتجة والتي تريد أن تستثمر في رأس المال البشري لا أن تزرع فيه الكسل والخمول منذ الصغر. أشرت أيضاً إلى أن الجهة المسؤولة عن التقويم الدراسي لا تقدم إطاراً معرفياً لنظرتها إلى صياغة التقويم بهذه الطريقة وينبغي لها أن تعقد ندوات أو اجتماعات حول مثل هذا الموضوع لتتم مناقشته بواسطة كل خبراء التربية والاقتصاد والاجتماع والأمن في البلاد وتخرج برؤية شمولية معبرة. كما أتمنى أن يتناول مجلس الشورى ذلك سياق علمي مبني على الدلائل والمواجهات التنموية والتربوية لمقارنة السلبيات بالإيجابيات والخروج برؤية تشجع الجهات التعليمية على دعم قرار جريء مثل هذا لدى أصحاب القرار السيادي في دولتنا الحبيبة والذين يستجيبون لكل ما فيه الخير والنماء.