رمضان جريدي العنزي
نعم نحن بدو رحل، استوطنا البادية، سكنا الخيام وبيوت الشعر، وعشنا على رعي الإبل والماشية، وتنقلنا من مكان لآخر طلباً للماء والكلأ، عشنا معترك الحياة بكل تفاصيلها، صعوبة العيش، وقلة الزاد، وكثرة التنقل والترحال، وقسوة التضاريس والمناخ، ورغم ذلك لم نمد أيدينا لأحد، ولم نطلب العون من أحد، ولم نستجد أحداً، ولم نشتك لأحد، ورغم ذلك، ورغم بداوتنا المتأصلة بنا فإننا قد بنينا وطناً حقيقياً بعقول متفتحة، وكتبنا نظاماً يرتكز على الحقوق والواجبات الإنسانية والاجتماعية والحقوقية والتعاملية والاقتصادية، وحققنا ما لم يحققه الآخرون المتعالون علينا، وسبقناهم بمراحل كبيرة، ومسافات طويلة، لا يمكنهم أن يلحقوا بنا مطلقاً مهما حاولوا وفعلوا، ما عندنا عنصرية، ولا فوقية، ولا تعالي، جئنا من لا شيء حتى أصبحنا أشياء كثيرة ومهمة، يستند علينا العالم كله، ويحسب لنا ألف حساب، لنا الهيبة والحشمة والوقار، ولنا القول، ولنا القرار، ولنا الإرث التاريخي، ولنا الثقافة، قفزنا بطرفة عين من القاع إلى القمة، استغلينا مواردنا الطبيعية أحسن استغلال، بنينا المدن الكبيرة، وشققنا الطرق الواسعة، أنبتنا الزرع وحصدناه بمناجل الثقة، حولنا صحارينا القاحلة إلى عناقيد ضوء، مطاراتنا أصبحت عالمية، وموانينا صارت منارات مغايرة، وشواطئنا آخذة بالحسن والجمال، ومقدساتنا تحف في فن العمارة والإبداع، أصبحنا ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصادياً في العالم، قدراتنا الاقتصادية والصناعية معروفة، وطاقاتنا الكهربائية تضيء العالم بأكمله، أمننا عالي، وأماننا مضرب مثل، عيشنا رغيد، وكل شيء عندنا سهل ويسير وفي متناول يدنا، نعم بدو ولنا أسلوبنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولنا منهج حياة يقوم على العلاقات الاجتماعية المتميزة، القائمة على الأعراف والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال، ما عندنا نظرة فردية للعالم والحياة، ونتميز بالبساطة والسلوكيات والأفعال الحميدة، نمقت الغل والحقد والحسد، ونمد أيدينا لكل من يريد مصافحتنا، لا نغدر ولا نجحد ولا نخون، ووفاءنا عالي لكل أحد، وعندنا عدل ومساواة، صرنا مثقفين وعلماء وأطباء ومخترعين وأصحاب مشاريع جبارة، ما عندنا تكلس ولا انحسار، عقولنا منفتحة، وأفكارنا نيرة، وما عندنا تراكمات نفسية معقدة، ولا أفكار مجنونة، وتطورنا رسخ واقع حالنا، وبنى مجتمعنا، روابطنا البينية أخوية، وموازيننا في كل القضايا عادلة، وابتساماتنا صاقة، وغضبنا إذا ما غضبنا واضح وجلي، ما عندنا دسائس ولا مناكفات، ولا هذيان، واصطفافنا مع بعضنا مثل الحبل المتين، والصخر الصلد، مشاريعنا دائماً ناجحة، ونكره التقهقر والفشل، يصفونا دائماً بالرجعية وهم التقدمية، حتى أصبحوا هم أهل الرجعية وصرنا نحن أهل التقدمية ثباتاً وعنواناً وحقيقة، نعم نحن بدو، نتباهى بذلك، ونعتبره خاصية مغايرة تغيظ الأعداء والمنافقين والذين في قلوبهم حقد وحسد ومرض، والذين لم يصنعوا لبلدانهم سوى الوهم والشعارات الزائفة والردح الإعلامي الممل والبهت والزيف والعنتريات الكاذبة، ولا يستطيعون إزاحة الظلام والنفايات عن ضواحيهم التي لا تزيد مساحتها عن مساحة ضاحية لبن عندنا. نعم نحن بدو وعليه نقول كما قال خالد الفيصل:
حنا بنينا دارنا من طيوبه
وانتم سلبتوا داركم كل ما طاب
الله سقانا من بحرنا عذوبه
وانهاركم مثل البحر هدر تنساب
حنا زرعنا الحب بارض خصوبه
وأنتم زرعتوا كره الأجيال بتراب
وحنا دعينا السلم نوبه ونوبه
وانتم حمام السلم بعتوه بغراب