لقد احترت في كتابة هذه الكلمات أأكتبها في ورقة علمية أم أطرحها كرأي، فاهتديت إلى المزج بين الأسلوبين لتسهيل الأمر على القارئ، لقد مرَّ عام وانقضى على فترة تجربتنا للتعليم الالكتروني أو التعليم عن بُعد، ومرّت المؤسسات التعليمية بالمزيد من الضغوط؛ وبالأخص ما يتعلق بالإداريين من مدراء مدارس أو وكلاء مدارس فضلاً عن المعلمين والطلبة وأولياء الأمور، لقد انقلبت الدنيا رأساً على عقب، ولعلكم تتذكرون كيف أنّ وزارة التعليم قابلت تحدياً في بداية العام الدراسي وهو عدم قدرة السيرفرات الداعمة لمنصة مدرستي أن تتحمل هذا العدد المهول من الطلبة والمعلمين والإداريين، لكن ما هي إلا أيام قليلة ورجعت الأمور إلى مسارها الطبيعي بعد أن ضخَّت وزارة التعليم ملايين الريالات لشركة مايكروسوفت والشركة التي صممت منصة مدرستي المبرمجة مسبقاً، والتي فيما أظن أنها كانت مشروع تخرج لطلبة في إحدى الجامعات التي تعنى بالتكنولوجيا! إذ ليس من المعقول أن تتم البرمجة بهذه السرعة، كما لا ننسى أن هذا المشروع بينه وبين مايكروسوفت عقد شراكة وإلا كيف يتم التنسيق بهذه السرعة العجيبة.
كنت أقول إننا مررنا بتجربة فريدة من نوعها وهي تجربة التعليم الالكتروني، وقابلنا العديد من التحديات التي واجهتها أيضاً وزارة التعليم، نذكر منها تسرب بعض المدراء وتنحيهم عن الإدارة بسبب الأعباء والتعميمات التي أثقلت كاهلهم سواء من إدارة الإشراف التربوي أو إدارة التعليم أو حتى وزارة التعليم..! بعضهم استطاع الصمود وبعضهم انهار، فاعتذر عن المنصب.
ومن التحديات أيضاً ما يتعلق بالمعلمين حيث كان بعضهم لا يفقه شيئاً في الحاسب أو التكنولوجيا الرقمية، وإذا سلّمنا جدلاً بأن سوادهم الأعظم كان يعرف بالتقنية وكيفية التعامل معها؛ إلا أنه يجب إلا نُغفل مدى تقبل المعلمين للتعليم عن بعد، فهو أمر جاء مفروضاً عليهم بالقوة، وبعضهم تماهى وتقبّل الأمر، وبعضهم قبِله على كره وبعضهم لم يقبله حتى تم إيقاف راتبه وإجباره على الدخول إلى منصة مدرستي، فدخلها رغم عدم اقتناعه بجدوى التعليم عن بعد، ولسان حال بعضهم يقول: كيف بعد هذا العمر الذي قضيته في التعليم تريدونني أن أقتنع بجدوى التعليم الإلكتروني، فالطالب كثّر الله خيره إذا كان يحضر الدروس ويفهم! ثم من قال لكم إننا نحسن استخدام الحاسب أو التعامل معه! أليس من المفروض أن تؤهلونا لذلك تأهيلاً شاملاً، وتدربونا على توظيف الاستراتيجيات الحديثة في التدريس عن بعد، وأنها تختلف اختلافاً تامّا عن التدريس وفق الطريقة التقليدية! ألم يكن من المفترض وضع برامج تدريبية تستهدف جميع العاملين في التعليم وبالأخص المعلمين على استخدام وتوظيف استراتيجية حديثة في التعليم، ويتم إفهام هؤلاء المعلمين أننا انتقلنا نقلة نوعية في التعليم وأن الطرق القديمة في التعليم سوف تتبدد، وأن على المعلمين أن يأخذوا بزمام المبادرة فيعدوا العدّة لكي يصنعوا غداً أجمل!
من التحديات أيضا عدم تقبل بعض الطلبة للتعليم الإلكتروني؛ بل إنّ بعضهم لا تملك أسرهم سوى جهاز واحد يشترك فيه الأبناء، وبعض الأسر يكون لديها ابن وابنة في المرحلة الابتدائية مثلاً فيتناوب الابن والبنت على الدخول للمنصة، فهل سيتم التعامل مع التعليم الالكتروني في العام القادم بنفس الطريقة التي تم استخدامها في عام فارط؟! أم أن الوزارة ستأخذ على عاتقها أن تعمل شراكات مجتمعية مع الشركات لدعم عملية التعليم ووضع هدف أساسي لها وهو توفير جهاز لكل طالب!.
ومن التحديات أيضاً هناك المتعلقة بمستوى دخل الأسرة، فبعض الأسر تعاني من الفقر، وبالتالي لم تتمكن من توفير جهاز واحد لأبنائها مما جعل الطالب يتغيب عن المدرسة، فضلا عن التحديات التي تقابل كل أسرة والتي تتعلق بمشاكل بين الزوجين، والذي ينسحب بدوره على الأبناء ...إلخ من التحديات النفسية والاجتماعية.
كذلك غياب الكفايات والوعي بأساليب التعليم الالكتروني لدى بعض المعلمين والاستراتيجيات التدريسية المناسبة لهذا النمط من التعليم وما يقابله من أساليب حديثة لتعامل المعلم مع الطلبة في النمط الافتراضي، وإذا سلّمنا بأن كل تحديات تقابلها فرص فقد واجهت جميع المنظمات تحديات، إلا أن حكومتنا الرشيدة تعاملت مع جائحة كورونا بمرونة وكفاءة عالية وبالأخص فيما يتعلق بنظام التعليم.
كذلك من التحديات التي قابلناها كمعلمين هي أن بعض المعلمين يفتقر إلى الطريقة الصحيحة في إعداد أسئلة إلكترونية مناسبة للطلاب بما يضمن عدم لجوء الطالب للغش، أو الاستعانة بأحد! ويجب أن نتنبه للمنهج الخفي وراء ظاهرة الغش الإلكتروني واضمحلال بعض القيم.
وفي ضوء ما سبق، يتضح جلياً أن العام القادم والأعوام المقبلة على منظومة التعليم تنبئ بضرورة تبني سيناريوهات قادمة للتعليم، وضرورة اطلاع المعلمين عليها بكل شفافية، وتدريبهم تدريباً كافياً، فكل ما يعرفه المعلمون عن التعليم الالكتروني هو تصريح أطلقه وزير التعليم حول أن التعليم سيصبح خياراً استراتيجياً! وما يريد معرفته كل معلم هو كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟.