أولت المملكة اهتماماً كبيراً للمرأة السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- انطلاقاً من مبادئ وأحكام الشريعة السمحاء، فنالت بذلك الكثير من الحقوق، وتبوأت مكاناً يليق بها، وحققت الكثير من المكاسب والإنجازات، بما تمتلكه من قدرات كبيرة مكنتها من الحصول على مواقع فاعلة في مختلف المجالات ومنها الأدب الذي برزت فيه واستطاعت تقديم صورة مشرفة إلى العالم عن المرأة السعودية.
وعلى رغم أن تعبير الأدب قد يبدو منجزاً ذكورياً، حيث ظلت الجدالات المتصلة بإبداعية المرأة في مجالات متعددة ومتنوعة مطموسة بسبب وجود بعض المعوقات التي حالت دون بزوغ شمس الأدب النسائي كالعادات والتقاليد والموروث الشعبي، إلا أن المرأة السعودية استطاعت أن تدخل معترك هذا المجال وتتفوق فيه، فظهر النتاج الأدبي النسائي السعودي على الساحة الثقافية العربية، ونجح في إثبات قوة الفكر الثقافي للمرأة السعودية، وأصبحت المرأة السعودية خلال فترة قصيرة أديبة وشاعرة وناقدة وكتابة، لتسهم بجانب الرجل في التغيير أو ما يسمى بالحراك الأدبي النسائي المعاصر، مما جعلها الآن توازي الرجل في نتاجها وكتاباتها شعراً وقصة ورواية ونقداً، فخلال العقد الماضي، تمكّنت النساء السعوديات من إصدار (334 كتاباً) خلال الأعوام من 2001 إلى 2009 ، وبلغ عدد الروائيات الآن (113 روائية)، وفي الفترة 2014 - 2015 سجلت معارض الكتاب حضوراً كبيراً للأسماء النسائية كروايات ومؤلفات أدبية.
ويوماً تلو الآخر، سرعان ما تصدرت الأديبة السعودية المشهد الثقافي في المملكة بفضل دعم القيادة السياسية للمرأة السعودية في شتى المجالات حتى باتت تعيش الآن عصرها الأدبي الذهبي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يعد من أكثر الداعمين للمسيرة المتنامية للمرأة السعودية، والذي أفسح لها المجال للنجاح والتفوق، إيماناً منه أيده الله بتميزها ودورها الكبير في بناء مجتمع متكامل، وهو ما جاءت به رؤية 2030 التي جعلت المرأة أحد الأركان المهمة لبناء المستقبل بما تحمله من رؤية تشاركية هادفة تصب في تعزيز الجوانب الذوقية والحسية والفنية والنقدية الهادفة التي تعتبر من مسارات الفن الأدبي الأصيل.
والمتابع للشأن الأدبي والثقافي في المملكة لا يمكنه إنكار ما وصلت إليه المرأة السعودية من مكانة وما حققته من إنجازات تخطت حدود المحلية إلى العالمية في مجالات كثيرة أبرزها الأدب، فقد تمكنت من طرح أفكارها الذاتية بل وتجاوزتها، مستخدمة العديد من الأدوات الجمالية والفنية، مستغلة مع ما تمتلكه الأديبة السعودية من رؤية ثاقبة، جعلتها حاضرة دائماً في الوسط الثقافي ومشاركة الرجل في الاستثمار في الثقافة وفتح فرص جديدة للمعرفة، حتى وضعت بصمتها الإبداعية الأدبية والحضور محلياً وعالمياً فرشحت لجوائز محلية ودولية، وشاركت في فعاليات ومناسبات محلية وخارجية.
وترجمة لما تحقق لها في المجال الأدبي وفي أول نشاط منبري مفتوح تقف فيه المرأة أمام جمع من الرجال فقد شهدت المملكة العام الماضي تنظيم نادي أبها الأدبي بالتعاون مع الهيئة العامة للثقافة أمسية بعنوان «الوطن والمرأة: المستقبل والمسؤولية» احتفالاً باليوم الوطني شاركت فيها الدكتورة غادة آل زياد وصالحة الجرعي وأدارتها زهرة آل ظافر، كما نظم النادي الأدبي في منطقة تبوك محاضرة أخرى بعنوان «دور المرأة الثقافي في رؤية 2030» قدمتها الدكتورة عائشة العطوي، وأدارتها أيضاً الدكتورة ماجدة العتيبي.
وقد لعبت جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية إلى جانب معارض الكتاب فضلاً عن الصالونات النسائية التي تعدت الـ 16 صالوناً، دوراً محورياً في التعريف بالأدب النسائي، فأصبح وصول صوت المرأة الإبداعي مع تلك الوسائل يسيراً، وحصلت على مساحات أوسع للجلوس على المنصات الأدبية التي احتكرها الرجال لسنوات، مما مكّنها من التعبير عن رأيها ومناقشة القضايا الأدبية بحرية تامة وجهاً لوجه مع الرجال وليس عبر الدوائر التلفزيونية كما كان الحال في الماضي، وهو ما يعد تطوراً هاماً سينعكس أثره على إثراء الحركة الثقافية السعودية والعربية، نظراً لما تتميز به تلك الأعمال المقدمة من إبداع وإتقان يعبر عن حالة التميز لدى الأديبات السعوديات.
وبلغة الأرقام: بلغت إصدارات الكاتبات السعوديات خلال السنوات العشر الأخيرة (409) إصدارات مقابل 1687 كتاباً للرجال، وبلغ عدد الروائيات (113 روائية) مما ساعد في منافسة الأديبة السعودية وبجدارة الأدباء الرجال من خلال تلك الأعمال التي لاقت نجاحاً كبيراً بين جمهور النقاد والمتابعين بسبب ما تطرحه بعض الأديبات السعوديات من روايات وقصص ومؤلفات ساهم في انتشارها الاستخدام المتوسع لوسائل النشر الإلكتروني وشبكة الإنترنت الدولية.
وعلى مدى سنوات طويلة، لمعت العديد من الأسماء في مجال الأدب النسائي بالمملكة عبر كتاباتهن الجريئة في الرواية والقصة والشعر والنقد والتي قررن من خلالها إسقاط الولاية عن إبداعهن والسير في طرق لم يسبقهن أحد إليها.
وسجلت الأعمال الأدبية حضوراً كبيراً للمرأة السعودية، وتأتي من بين الأسماء النسائية التي برعت وبرزت في مجال الأدب رجاء عالم، التي أصدرت أول أعمالها الأدبية في العام 1987 ، وهي مسرحية بعنوان الرقص عن سن الشوكة، ثم توالت أعمالها الأدبية بعد ذلك مثل رواية طريق الحرير والموت الأخير للممثل، ورواية طوق الحمامة، التي حصدت بها جائزة البوكر النسخة العربية للعام 2011، لتصبح «رجاء عالم» الأديبة العربية الأولى التي تحصل على جائزة البوكر للرواية العربي.
كما تعتبر الدكتورة ثريا العريض وهي أيضاً شاعرة وأديبة سعودية من أكثر السيدات السعوديات تأثيراً من خلال أطروحاتها التي نالت على إثرها العديد من الأوسمة والجوائز المحلية والإقليمية والدولية كذلك برز اسم الكاتبة والروائية والإعلامية بدرية البشر التي تعتبر علامة فارقة في المشهد الإبداعي السعودي بما لها من الندوات والدراسات والأمسيات القصصية، إضافة للمؤلفات والكتب، منها: رواية «هند والعسكر» ورواية «الأرجوحة» و»غراميات شارع الأعشى» ومجموعة قصصية بعنوان «حبة الهال»، وكتاب «تزوج سعودية»، ورواية «زائرات الخميس».
إضافة لذلك برز اسم الشاعرة والكاتبة الراحلة مستورة الأحمدي التي كتبت قصيدة أوبريت ملك القلوب لمهرجان الجنادرية، وشاركت في عدة أمسيات شعرية ولها قصائد بالفصحى والنبطي، وكانت آخر نشاطاتها الثقافية مشاركتها في أمسية شعرية خلال فعاليات مهرجان المدينة والتي أقيمت في معرض جامعة طيبة الدولي الثالث للكتاب.
وتضم قائمة أسماء الأديبات السعوديات أميمة الخميس وهي روائية وشاعرة وناقدة وصحفية بدأت نشاطها الأدبي والإبداعي في سنوات باكرة من عمرها ولها العديد من المجموعات القصصية التي حصدت على إثرها العام الماضي جائزة نجيب محفوظ لعام 2018م عن رواية «مسرى الغرانيق في مدن العقيق» وهي المرة الأولى التي يحصل فيها كاتب من السعودية على تلك الجائزة منذ انطلاقها في عام 1996م.
ومن الأديبات السعوديات أيضاً الشاعرة سارة الخثلان التي عرفتها الأوساط الأدبية من خلال إنتاجها المتميز والذي نشر في مجلات وصحف المملكة والخليج وهي تعتبر أول من أسست منتدى ثقافي نسائي في المملكة ويعرف بملتقى الشرقية الثقافي «الأربعائيات»، أيضاً لها عدة كتب منها إبداع المرأة السعودية بين نوافير النفط وكثبان الرمال والمرأة والسياسة وكتاب مخطوط باسم الحسناء المختطفة. كذلك هناك الأكاديمية والأديبة والصحافية خيرية السقاف التي أبدعت في مجال القصة القصيرة وحازت على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على هامش مهرجان الجنادرية في نسخته الـ 32 .
وإضافة لهذه الأسماء، برزت أسماء أخرى كثيرة فهناك قماشة العليان والدكتورة فاطمة المحسن وأشجان هندي والدكتورة فاطمة القرني وشادية عالم وحميدة السنان وبدرية الناصر وزهرة بو علي ومنيرة موصلي وصفية بن زقر ومريم الغامدي ولطيفة قاري وسميرة خاشقجي ونجاة الخياط وسلطانة السديري وثريا قابل والشاعرة ملاك الخالدي والشاعرة هند المطيري وزينب البحراني والدكتورة إنصاف علي بخاري والدكتورة لمياء باعشن وسارة العليوي والناقدة هويدا خوجة وسمر المقرن وزينب حفني، وأسماء كثيرة عديدة كان لها دورها وإنجازاتها في المجالات الإبداعية التي نجحن من خلالها في الوصول بأعمالهن إلى خارج الوطن ليشاركن في مسيرة التنمية والرخاء.
** **
- تغريد الطاسان