خالد بن حمد المالك
لم يكن أمام وزير خارجية لبنان (شربل وهبة) من فرصة للبقاء وزيراً للخارجية في حكومة تصريف الأعمال، لذا فقد سارع إلى تقديم استقالته - مُرغماً - بعد أن تعامل مع المملكة ودول الخليج بهذا المنطق الأعوج والتعامل الوقح والاتهامات الباطلة، ولم ينفعه محاولة الرؤساء الثلاثة اعتبار أن ما تفوَّه به لا يُعَبِّر عن موقف لبنان، وإنما هي آراء شخصية لشخص الوزير، وتُعبِّر عن رأيه الشخصي..
* *
ولم تكن التداعيات إثر ما تجنَّاه هذا الوزير على المملكة ودول الخليج -كما ادعى الرئيس ميشال عون- من أن الهدف منها الإساءة إلى علاقة لبنان مع أشقائه في دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، متجاهلاً أن من أساء إلى هذه العلاقة هو العهد العوني وحلفاؤه الإيرانيون ممثلين بحزب الله اللبناني، وبينهم من هم أعضاء في الحكومة أو في مجلس النواب، أو من كانوا في هذه أو تلك من قبل و(شربل وهبة) عينة لهؤلاء.
* *
غير أنَّ الرموز اللبنانية من نواب ووزراء ورؤساء أحزاب ساءهم ما قاله الوزير شربل، واستغربوا المظلة التي يحتمي بها مثل هذا الوزير من رئيس الدولة ومن حزب الله وحزب الرئيس نفسه الذي يقوده صهره جبران باسيل، فكانت ردود فعلهم بمنزلة المسمار الأخير لبقاء هذا الوزير ممثلاً لسياسة البلاد الخارجية، والتعبير عن مواقفها بمثل ما قاله شربل للقناة التلفزيونية، فكان أن قدَّم استقالته تجنُّباً لإحراج الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب.
* *
يقول مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إن ما صدر عن وهبة مدانٌ ومرفوضٌ ومردودٌ عليه، ومن يتطاول على المملكة ودول الخليج، فهو يتعرَّض لمصالح لبنان، متسائلاً كيف تُبنى علاقاتنا معهم بأسلوب التجريح والقدح والتطاول، ويقول رئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع: لقد كان على الوزير وهبة أن يكون وزيراً لخارجية لبنان، وانتهى به المطاف ليكون وزير خارجية حزب الله، وأن من أتى بتنظيم (داعش) هي إيران والنظام السوري وحزب الله، وأن العدو الأول لداعش هي المملكة العربية السعودية، بينما المستفيد من داعش هو المحور الذي ينتمي إليه شربل وهبة.
* *
أما رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة فجاء رده على بذاءات وهبة بأنه لم يكن أمينًا على تراث الدبلوماسية اللبنانية العريقة، وأضاف أن تصريحات هذا الوزير الذي وصفه بـ(الصدمة) تنمُّ عن مقدار الخفة لديه، وعدم إلمامه بالفقه الدبلوماسي، ومدى تفشي العنصرية الفكرية لديه، وقال في السياق ذاته رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميغاتي إن ما قاله الوزير وهبة مرفوضٌ ومستنكر، ويندرج ضمن الإساءات المدمِّرة لعلاقات لبنان مع المملكة ودول الخليج.
* *
ولم يختلف موقف الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط عن مواقف من أدانوا وهبة على إساءاته للمملكة ودول الخليج، فقد أدان الحزب إطلاق تصريحات غير مسؤولة ضد المملكة ودول الخليج، وقال إن المساس بعلاقة لبنان الطيبة مع المملكة ودول الخليج مستنكرٌ ومرفوضٌ، ومن حزب الكتائب شارك النائبان المستقيلان إلياس حنكش ونديم الجميل عن رفضهما لكلام وهبة المسيء للمملكة ودول الخليج، وأن وهبة المؤتمن على علاقة لبنان الخارجية داس عليها وعلى مصلحة لبنان، وتناسى أنه وزير خارجية الدولة لا وزير خارجية الدولية.
* *
هذه بعض ما اتسعت له مساحة هذا المقال من ردود فعل غاضبة ضد شربل وهبة وتصريحاته، وهي تؤكد أن المساس بالعلاقات الأخوية بين لبنان والمملكة ودول الخليج خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وأن مصلحة لبنان وشعب لبنان في عدم الإساءة إلى من ساند لبنان ماضيًا وحاضراً، أو التعرض له بمثل ما تعرَّض له وزير خارجية لبنان المستقيل، على أن هذه الإساءات والتجاوزات من وهبة لن تثني المملكة ودول الخليج عن الاستمرار في دعم الشعب اللبناني، لا دعم المخربين والفاسدين وتجار الأزمات، وهو ما لا يرضي شربل ومن لفَّ لفَّه من الأفراد والجماعات والأحزاب في لبنان المريض.